بوح في أوراق قطيفية..بقلم غالية المحروس
15/07/2017
غالية محروس المحروس 

معذرة على طرح عدة مواضيع في فترة قصيرة فنحن بحاجة حقيقية لإعادة تشكيل الفكر من خلال القراءة المستمرة هنا وهناك, فأنا دائما مسكونة بالكتابة وبالأفكار الجريئة, فالكتابة تعمل عشقا مع الأوراق ولا أدري لماذا أنا صامتة في حضرة الأقلام الشامخة التي تكتب لشروق شمس دافئة ولتغريد عصافير مهاجرة, وأنا أجلس مع نفسي طويلا واكتب لها رسالة بوح لحاجتي لمن أتحدث معه, فقررت أن أبوح بمكنون صدري ولا أعلم من أين أبدأ ولا كيف؟ أحاول أن أكتب نصا أكثر قابلية إن صح التعبير, و أن أخرج نحو الزمان والمكان لأني أرى إنه ليس زمن للكتابة عن الربيع والزهور ولا حتى البوح الماجن عن الحب نحن بحاجة إلى إحساس الحرف قبل صياغة الكلمة.

أشعر تماما برغبتك الآن لمعرفة أي بوح يختفي وراء العنوان! ولأني أدرك إن لكتاباتي رائحة خاصة وتركيبة معينة ولفئة معينة أيضا, أقول لنفسي اكتبي وأنت في قمة توهجك دون تأجيل رغم إن هناك من يعتبرني بلا قلم ! تحدثي يا نفس وتنقلي بين بساطك الأبيض وتمتعي بمسايرة القلم إذا لم أجد من أبوح له ! وما أجمل البوح لمن يسمعني! البوح هو الدواء القادر على تخليصك من همومك وأحزانك ونقلك إلى عالم السعادة, ألا تشعر بحروفي مبعثرة وبوحي ضائعا! وكأن البوح في نفسي كطفل يصرخ وأدركت بأنه ليس للبوح كبرياء.

لقد بدأت تنتابني في الأشهر الأخيرة رغبة صادقة بالبوح لا أعرف سببها ولا مصدرها, ربما إحساس مبكر بالموت أرغب أن أزيح عن قلبي وصدري كل شيء زائف, وأترك العنان لقلمي الصادق ليحكي قصة البوح حيث تتمكن أحيانا رعشة الخوف ببوح حائر, وتقف حروفي خجلة متأملة بصمت وذهول لكن النفس تحتاج لبعض البوح! ولأني سئمت المناداة بصوت مبحوح وهكذا اكتب بقلمي ما قد يعجز نطقه بلساني لعلني لا أجيد فن البوح كما يجب!

حين تحمل النفس هموما ثقيلة وحين يسيطر الحزن على العقل, اعترف بأني أحتاج حينها للبوح رغم إن للبوح مساحات وطقوس, والجميع يدرك بأن الأفراح إذا قسمت زادت والأحزان إذا قسمت هانت وقلت, وهكذا أبوح أحيانا عن طريق البكاء لئلا يشعر البعض بضعفي ! و أبوح أحيانا أخرى بالكتابة لأني بارعة بالتلويح والتلميح دون تصريح!و على اختلاف أساليب الحياة يدلف إلى قلوبنا أحاسيس وتذهب إلى طي الكتمان, تستنجد الراحة ونستخدم أقلامنا أداة لنترجم مشاعرنا وقد تتعثر قلوبنا بشجن وحزن, وهذه المشاعر تقبع ساكنة رغم إنني أعتمد في التنفيس عن أهم مشاعري لحبيبي وشريك عمري زوجي ,لأنه يحتويني بقلبه وروحه وأعتبره توأم روحي وأحيانا حتى لا أثقل عليه, ألجأ للكتابة فأنا أعتبر التحدث والكتابة متنفسا صحيا جيدا للتعبير والبوح.

اعتذر وكأن الكلمات اختنقت في حنجرتي ياترى أحاسيسنا وهمومنا لمن نبوح لها؟ هل هناك قبور خاصة ندفن فيها أوجاعنا وأحاسيسنا ؟ هل هناك بنوك نستودع فيها بعض أسرارنا؟ ألا يتفق معي أحد إننا نعاني من أزمة ثقة من البعض أم ماذا؟ وهل هناك من يستمع لهمومك وأوجاعك؟ أهي أزمة إحساس؟ كيف للنفس أن تهدأ والهموم خجلة من صاحبها بما يستحق أن يبوح به, مع هذا وذاك فإن البوح بما في النفس من حزن وتعب ومعاناة أفضل من كتمانه في النفس! ولن أستطيع أن أبوح بكل ما عندي فهو كنزي! لقد تعلمت كيف أجهض الزفرات بعد الآهات وأمسك القلم لأسمح لإحساسي أن يتدفق كبركان مليء بالبوح, وحينها ينتحر الحزن رغم الحدود الغير آبهة للوجع!

يجرني الحديث عن تجربتي المتواضعة للحديث عن نفسي! وإن تحدثت عنها قليلا أعتذر لمن يظن إنه غرور أو نرجسية وحب النفس! ولكن من أكون حتى أخوض في الكتابة عن نفسي !؟ فلن أنسى يا قارئي العزيز بأنني في بداية طريقي ولكني وعدت ببعض البوح عن نفسي, هذه لم تكن محض صدفة وهي محاولات لرصد فكري كإنسانة, أرغب أن أطل من نافذة القطيف الجميلة على قراء القطيف الأعزاء, دون أن أحدد صور كلماتي ولا ألوانها بل بحروف ناطقة بالصدق ,وهذه أقدس الموجودات و خلف كل كلمة وحرف هناك احترام وتقدير للقطيف, ومن حق القارئ أن يعرف الجانب الإنساني لمن يقرأه!

إنني امرأة قطيفية بسيطة ولدت في القطيف وفتحت عيني على العصافير والنخيل واللوز والتين والعيون, تغذيت من ظروف الواقع نشأت وتعلمت في القطيف, وتدرجت في حياتي وتابعت المشاهد الثقافية بغضبها وبهجتها, ولدينا موجات أدبية يواجهها المبدعون في القطيف, هنا كل شيء له أكثر من لون ورائحة وأكثر من صفة, ولكوني أعيش على أرضها منحتني الراحة وسعة الأفق وهدوء البال والجمال الداخلي والتواصل مع الناس الطيبة فيها. لن أكون أكثر طامعة من جلسة أمام قلعة القطيف التاريخية المندثرة, التي أنجبت كل العقول والشيوخ والعلماء والعباقرة ,واعذروني على طمع آخر أن أسترجع طفولتي في براحة الخيل والحليب والجامع والقلعة بما فيها الزريب أزقتها (سوابيطها)وعبق بيوتها الصغيرة المتلاصقة لبعضها, كيف لا افخر وقد دخلها الأتراك و العثمانيون وتركوا آثارهم فيها, ورغم ذلك أرى القطيف لا تزال تلك المدينة العذراء الطاهرة. 

لم أقم بإنجازات في حياتي حتى إنني لم أكن متفوقة في سنوات دراستي, ولم أحصل على درجات عالية في الكلية التي انتسبت لها أثناء عملي, ولا أتذكر تم تكريمي في المدرسة وقد تصدم البعض صراحتي وصدقي, والصدق ليس عيبا بل قيمة أخلاقية ولا أزين نفسي إن قلت عنها صادقة, أجدني كثيرا ما أرى الأشياء كما لا يراها غيري, وكثيرا ما عانيت من سوء فهم الآخرين لي أن أقصد أو افعل سواء كان فعلا أو رد فعل, وكثيرا ما تنبهت لذلك وقررت على مجاراة غيري في مهمة وعجزت عن ذلك.

انتهت رحلتي العملية في شركة أرامكوا السعودية بعد سنوات عدة, حيث تعلمت الكثير وكسبت الأكثر, وتعرفت على نفسي هناك عن قرب وتعاملت مع شريحة من البشر لن أنساهم, لمست في شبابنا الأدب والاحترام والتفاني في العمل, وكان الرجل السعودي ولا يزال يتمتع بشهامته وكرامته إلى جانب طموحه,و لي زميلات بالعمل من أفضل الناس وأكثرهن عفة ولا زلن يسكن قلبي, وإن جميع من أعرفهن هناك من الزميلات وجدتهن الصورة المشرفة للمرأة السعودية وكأنهن سفيرات دون سفارة, ألمح شبابي اليوم في الموظفات الشابات وأعتبر عملهن دليل كفاءة المرأة السعودية وكفاحها.

وهاأنا في القطيف الحبيبة بعد تقاعدي أحظى باحترام زملائي لي, وبثقتي وتجاربي وذكرياتي ومبادئي وحبي لها ولأهلها الأعزاء, وبرغم فترة عملي الطويلة أعتبرها هادئة في حياتي, لم أكن أتطلع إلى ما يزعجني لم تكن لدي طموحات مميزة, ولم تكن المسافة الفاصلة بينها وبين مدينتي تجعلني أن أتجاوز قيمي وأخلاقي بأي شكل, ولم يمضي وقت على تقاعدي حتى بدأت برنامجي الإنساني التطوعي الذي أترجمه عشقا وشعورا طبيعيا يلازمني أينما كنت, فأنا أشتاق لتراب القطيف وأنا على أرضها قد أستعيد أبجديتي في خدمة وعشق القطيف.

أردت أن أقول بعد وقفة مع نفسي ,اكتشفت إنني جبانة ولقد ازدحمت تفاصيل حياتي بالمواقف الغير شجاعة الكثيرة وهي المواقف التي تتطلب مني القليل من الجرأة وللأسف كيف أتصرف؟ وهكذا بعض معارفي هزموني وخذلوني بقدرتهم على الزيف لارتدائهم الأقنعة المزيفة لبعض المواقف والمناسبات ! و بعد عنائي من هموم الحياة وعشقي لحياتي,حاولت أن أنهي متاعبي و صرت أتعرف بعمق على مفهوم الشجاعة. أتذكر هنا كلمة لشكسبير الأديب الإنجليزي : إن كلمة الحق يجب أن تقال ومهما كلف الأمر حتى ولو لم يكن الإصلاح ممكنا.

تسألني بعض طالباتي كيف لي أن أتقن التدريس باللغة الإنجليزية بنفس قدرة الكتابة باللغة العربية؟ فأرد قائلة اللغة العربية بالنسبة لي نظام تواصل راق أعجز وأخرس كل الألسنة, ولا يوجد في قاموسي مصطلح المستحيل أنا إنسانة متجددة وأعتز وأفخر بذلك, ومنذ طفولتي وأنا مهتمة بكتابة المواضيع العربية في حصة الإنشاء وأتمنى بعض من ساعدتهن حينها أن أرى تأييدهن لذلك! وأتذكر كنت أحصل في المدرسة على العلامة الممتازة في التعبير وذلك لكثرة قراءتي واطلاعي, ولم أكن أهمل أي كتاب تلفتني أفكاره وحتى الآن أول ما أقف عندها هي المكتبات .

قد يثير هدوئي استغراب بعض طالباتي, إلا إنني أثور من الداخل لو هناك ما يزعجني من تأخير وغياب, ولدي القدرة على ضبط نفسي, ولأنني بطبيعتي لست مراوغة ولأنني صادقة جدا مع نفسي قبل الآخرين لقد انعكس هذا على أسلوبي بالكتابة والتعامل مع الآخرين, حيث تعلمت واكتسبت من سماء القطيف السمو والشموخ بلا غرور, ومن نخيلها العطاء بلا ثمن ولا عجب لو تزخر قطيفنا بمبدعين وعاشقين لها, أنا لا أضجر أن أكون رائعة دائما ولا إن تألقي وصل حده! فلا تتهموني بالتغطرس أبدآ أوليس من حقي أن أتجمل بمدينتي وافخر بها ؟؟ دعوني أترجم سعادتي وأنا على أرضي وبإحساسي حيث أعيش في مدينة يحسدني عليها الكثيرون فهي جنة الدنيا هذا بالنسبة لي, ولأنني بنت القطيف وشهادة المحب في معشوقته دائما مجروحة.

هل البوح الصادق غير مباحا أو غير متاحا لي؟
دعوني أقول شيئا كنوع من البوح أنا أحلم بحديقة الكلمة وينبوع الحرف, أحاول أن أعرف حدودي في الكتابة للحرف ونطاق النقطة والفاصلة. أتمنى أن أكون ذات يوم في مطاف المبدعات لأتمكن من الكتابة الروحية الرمزية لأسمح للقارئ العزيز أن يبحر معي في بعمق ويفك بعض ما يعترينا من لحظات التصحر والتيه الإنساني, و لتنتحر الكلمات على أعتاب البوح ولتضيع الحروف وسأظل أبوح تحت حدود البوح نفسه واعدة القراء عدم تجاوز حدودي ! وكثيرا ما خسرت قضيتي ضد النوم لكوني لا اكتب إلا ليلا اذهب للكتابة وأنسى قلمي مفتوحا بعد أن يغافلني النوم انتقاما مني!

أحلم بلحظات لا تنسى لكنها بالنسبة لي لم تأتي بعد رغم إن كل لحظاتي لها ماهيتها الخاصة وطابعها الخاص وهناك لحظات ومحطات كثيرة في حياتي والأهم لحظة موتي! أيظن أحد بعد هذا البوح أعيش بالأبيض والأسود دون الرمادي في حساباتي وقراراتي؟ أعتذر لهذا البوح فأنا أحمل على عاتقي بوحا أو شجنا للقطيف ممزوجة بألوان خزفية وأجزم بوحي هذا ما هو إلا ردة فعل لا شعورية لامتناني لمدينتي المزينة دائما بأهلها قبل نخيلها ورياحينها.

أشكرك يا قطيف لاستقبالك كتاباتي المتواضعة وتأملك سطوري البسيطة, شكرا لك يا قطيف التي حملتني إلى فضاء السماء لأبوح ببعض خلجاتي فحبي لك بلا قفل ولا مفتاح ولا سور ولا سقف, ولكن بأخلاق ونزاهة مادام التاريخ والأدب والجمال والأخلاق هنا بالقطيف, ولي الشرف أن أقدم انحناءة احترام لمن مر على بوحي هنا.

وأخيرا لي كلمة بوح بيني وبين بنات القطيف أهمس لهن قائلة:كوني شامخة في تواضعك ومتواضعة في شموخك وهذا حق القطيف عليك لتفخر بك وليكون صباحك مشرق وشمسك دافئة, هكذا أنا في كل كتاباتي لا أبتعد عن القطيف فاعذروني!

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى