" جداه " ليته الداء لم يوجعك
7/08/2017
جمال الناصر

لست متكئًا على لغة الفراق ، لأكتب مرثية موتى ، فيك " جداه " ، لكنه " ابنك " ، يكتبها لغة الشوق والأمنيات ، حيث ظلك ، كان يقينا لظى الشمس . " جداه " ليته الداء لم يوجعك . هي الحياة وطبيعتها ، حبلى بالابتلاء ، ديدنها لقاء وفراق . رحلت عن دنيانا ذات لحظة من الوقت ، أدخلني الوقت ، دهاليز المعاناة ، لوجهك في ذاتي ، ملامح لا غياب لها ، وإن غبت عنا جسدًا ، ذاتك ممزوجة بدواخلنا ، لغتك وفكرك ، طريقة تعاملك مع الآخر ، القريب والبعيد ، ثقافية الأنا الفردية ونحن الجمعية .

حين أكون يا " جداه " في " قديحك " ، لأراك في المساء ، أتأملك ، أحاول تجميع كلماتك وتوجيهاتك ، حينها كانت تمر ممر السحاب ، مر الوقت ، أيامًا وأيام ، أخالها سنينًا ، تكومت على ذاتي ، أستذكرها ، لأعيد صياغتها مجددًا ، نعم ، لقد احتضنك التراب جسدًا ، لتعصرنا الدموع ، متلحفين بآهات أنين الفراق ، إلا أنك حي في نفوسنا وأعيننا . " جداه " كيف وجدت آيات قرآنك ، التي كنت ترتلها ترتيلاً ما بين شفتيك وقلبك ، لتنزل كالماء على روحك ، " جداه " كيف وجدتنا نحن المتعبون خطى السير بلا مأوى ، لذراعيك رائحة المأوى وعنفوان التيه في العشق .

ها أنا الآن ، قلبي يعتصر ألمًا ، أكانت يديك ، تتقن اللغة والكلم ، بلاغة المفردة وانسيابية المعنى ، هل ابتعدت عن كل المعاني الظاهرة ، لتختزلها ضمنيًا ، أي المعاني الضمنية ، أتقنتها ، وأي المسافات رشفتها بهمس يديك ، أكانت تختصر كل معاناتك مع المرض ، لتمنحنا البوصلة . أتذكر يا " جداه " ، حين كنت في زيارتك في المشفى ، انتهينا من الزيارة ، مضى من كنت برفقته ، كذلك أنا مضيت خطوات ، تراجعت ، حملتني خطاي مجددًا إليك ، مددت يدي لأعانق يديك ، حينها وضعت يدك الأخرى فوق يدي ، كنت تمسح عليها بلطف ، كل الأشياء من حوالي لا حراك لها ، لا همس يكتنفها ، كنت أصغي ليديك ، لديك فقط ، أكنت تهمس بشيء لم أفهمه غير الوداع القريب .

" جداه " ، لقد أتعبني اليراع ، لعجزه أن يكون مرآة لما تصارعه الذات حينًا ، وأحيانًا ليس لديه تلك القدرة والرغبة في الإفصاح عن ألمه وأساه حقيقة الإفصاح بدون الاتكاء على البلاغة ، ومعانقة الضمنية ، كالصحراء ، حيث يعانقها السراب ، لأكون متعبًا في سفر الكتابة إليك .




 
التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى