موت الفجأة ..
10/08/2017

الموت هو الزائر الذي لا بد في وقت من الأوقات أن يطرق باب الحياة وينهيها فهو حقيقة مهما غفل عنها الغافلون وهو تذكرة يعيها جيداً الذاكرون.
يأتي في وقت مؤقت لا يستأخر جزء من لحضه ولا يتقدم وبلا سبب معلوم غير التقدير الإلهي.
فكم من وباء عم البشرية إلا أنه فتك بالقوي اليافع وترك الكهل الضعيف وكم من سقطة وعثرة قضت على هذا دون ذاك وكم من صاحب مرض ميئوس منه مات بسبب غير مرضه فلا أسباب معلومة ولا سنن مطردة في ذلك غير ما قدره الله سبحانه وشاء.
يسأل حمران الإمام الصادق (صلوات الله عليه) عن قول الله عز وجل : { ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ }1.
قال (صلوات الله عليه): المسمى ما سمي لملك الموت في تلك الليلة وهو الذي قال الله :{فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} 2 وهو الذي سمي لملك الموت في ليلة القدر والآخر له فيه المشيئة إن شاء قدمه وإن شاء أخره 3.
الموت : تارة يتقدمه رسول تخبر بقدومه قبل وقوعه كالمرض وتارة أخرى يأتي بلا مقدمة ولا رسول (فجأة) من غير إمهال ولا إخطار وإنما هجوما تنسل به الروح فيطفئ وميض الحياة في ذلك الجسد.
{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}4 فهو الحق الذي يغمر الإنسان (فجأة) ويغلب على عقله مهما حاول الهروب منه والميل عنه.
وكل تقدم الزمان على الإنسان في الدنيا واقترب من آخره كثر (موت الفجأة) في أفراده وذلك لأنه من أشراط الساعة يقول الإمام الصادق (عليه السلام): قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : من أشراط الساعة: أن يفشو الفالج موت الفجأة 5.
وحد (موت الفجأة) هو كل من لم يشعر به قبل وقوعه بأربعة عشر يومًا.
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ): من مات دون الأربعين فقد اخترم ومن مات دون أربعة عشر يوما فموته موت فجأة 6.
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ): من مات في أقل من أربعة عشر يوما كان موته موت فجأة 7.
و(موت الفجاة) هو راحة وهو حسرة فإن كان المفاجئ مؤمن فإنه فجأة الموت له راحة لأنه أعد له عدته وتجهز للدخول لعالمه.
وإن كان المفاجئ من أهل المعصية والكفر فإن فجأة الموت له حسرة وأسف لإنه سوّف وضيّع حتى فاجأه بأهوله.
قال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي : موت الفجأة راحة للمؤمن وحسرة للكافر 8.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن موت الفجأة تخفيف على المؤمن وراحة وأخذة أسف على الكافر 9.
ومنشئ شيوع (موت الفجأة) في المجتمع عقوبة لذنبٍ شاع ارتكابه في أوساطهم, فيقع عواقب ذلك الذنب على المؤمن كما يقع على غيره فإنَّ البلاء اذا وقع فإنه يعم المؤمن وغيره.
ولكن عموم المؤمن بهذا البلاء ما هو إلا تكفيراً لذنوبه او رفعاً لدرجته وأما على غير المؤمن يكون عقوبةً وجزاءً على معاصيه وسوء فعاله.
ومن عدل الله سبحانه ولطفه أن جعل لـ (موت الفجأة) أسباباً وأعلمها لعباده ليعملوا على إجتنابها باجتناب مسبباتها.
السبب الأول : الزنا : قال الإمام الباقر ( عليه السلام ): وجدنا في كتاب علي ( عليه السلام ) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كثر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة 10.
وليس المفهوم من الرواية الشريفة أن (موت الفجأة) لا يحدث لتارك الزنا والمتنزه عنه بل انَّ الزنا إذا شاع في المجتمع فإنَّ أثره أن يُبتلى جميع من في ذلك المجتمع بـ (موت الفجأة) فيصيب هذا البلاء المرتكب للزنا وغيره.
وهذا لا يختص بالزنا الفعلي بل يتعدى للزنا المجازي من نظر محرم وسمعاً محرم وكلمة محرمة .. الخ .
فعن إمامينا الباقر والصادق ( عليهما السلام ) أنهما قالا : ما من أحد إلا وهو يصيب حظا من الزنا فزنا العينين النظر وزنا الفم القبلة وزنا اليدين اللمس صدق الفرج ذلك أم كذب 11.
السبب الثاني: سماع الغناء: لا شكّ في أنّ الغناء في نظر الشارع المقدس حرام لا يجوز استماعه ولا إنشاده ولا حضور محافله بإجماع الفقهاء وذلك لأن حقيقته تدعوا لفساد الأخلاق فينبت النفاق في قلب منشده وسامعه والحاضر محافله فيؤدي إلى الغفلة التي تقود الإنسان إلى الخسران الدنيوي والأخروي.
إلا أن البعض - ولحاجة في نفسه - يناقش هذه الحقيقة الشرعية ويحاول الالتفاف عليها بدعوى الفن - وما شابه - كما نسمع ونرى من البعض في مجتمعنا.
وبلا شك إن تحليل هذا الحرام وترويجه على أنه مباح وحلال له آثاره الوخيمة على المجتمع والتي منها (موت الفجأة).
قال الإمام الصادق (عليه السلام): بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ولا تجاب فيه الدعوة ولا يدخله الملك 12.
السبب الثالث: أكل الميتة: قال الإمام الصادق (عليه السلام): أما الميتة فإنه لا يدمنها أحد إلا ضعف بدنه ونحل جسمه وذهبت قوته وانقطع نسله ولا يموت آكل الميتة إلا فجأة 13.
وربما نستطيع أن نستل من الرواية الشريفة مفهوماً وهو : أن أكل الميتة في الرواية مصداق لأكل الحرام عموما فكل حرام يأكله الإنسان يكون من آثاره الوضعية عليه (موت الفجأة).
السبب الرابع: شرب الخمر أم الخبائث والفقاع: والخمر يطلق على ما أسكر من عصير العنب وربما يراد بها الأعم .
قال الفيروزآبادي : الخمر ما أسكر من عصير العنب أو عام . . . والعموم أصح لأنها حرمت وما بالمدينة خمر عنب وما كان شرابهم إلا البسر والتمر .
ثم قال في وجه تسميتها : سميت خمرا لأنها تخمر العقل وتستره أو لأنها تركت حتى أدركت واختمرت أو لأنها تخامر العقل أي تخالطه .
وحرمتها مجمع عليها بين المسلمين بل هي من ضروريات الدين بحيث يكفر منكرها 14.
والفقاع : وهو مما الحق بالخمر من حيث الحكم فمن مسلمات فقه الإمامية القول بحرمة الفقاع15.
ويعرف السيد اليزدي ( قدس سره) حقيقة الفقاع بقوله: وهو شراب متخذ من الشعير على وجه مخصوص ويقال : إن فيه سكرا خفيا وإذا كان متخذا من غير الشعير فلا حرمة ولا نجاسة إلا إذا كان مسكرا .
ثم يقول في المسألة التي تليها : ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء في معالجاتهم ليس من الفقاع فهو طاهر حلال16.
فالخمر والفقاع تناولها يؤدي إلى (موت الفجأت) يقول الشيخ المفيد (أعلى الله مقامه) - وحديثه عن الفقاع الذي هو خمر مجهول وخميرة استصغرها الناس 17 وما يثبت للأصغر يثبت للأكبر - : وليست العلة في تحريم الفقاع علة تحريم المسكر لأنه لا يولد الإسكار وإنما حرم لأنه يفسد المزاج ويورث (موت الفجأة) بظاهر الاعتبار أو لما يعلمه الله تعالى من الفساد بشربه كما يعلم من الفساد بشرب الدم وأكل الميتة وإن لم يكن بذلك سكر على حال18.
بماذا يدفع (موت الفجأة) ؟.
ذكرت بعض الروايات الشريفة أنه هنالك أعمال تدفع (موت الفجأة) على المستوى الشخصي وهي:
أولاً : المداومة على قراءة سورة التغابن: قال النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) : ومن قرأ سورة التغابن دفُع عنه موت الفجأة 19.
ثانياً: الدعاء: فعن أبي بصير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : كان أبي ( عليه السلام ) يقول إذا أصبح : بِسْمِ اللَّه وبِاللَّه وإِلَى اللَّه وفِي سَبِيلِ اللَّه وعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم).
اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَسْلَمْتُ نَفْسِي وإِلَيْكَ فَوَّضْتُ أَمْرِي وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بِحِفْظِ الإِيمَانِ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ومِنْ خَلْفِي وعَنْ يَمِينِي وعَنْ شِمَالِي ومِنْ فَوْقِي ومِنْ تَحْتِي ومِنْ قِبَلِي لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ والْعَافِيَةَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وشَرٍّ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ومِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ ومِنْ ضِيقِ الْقَبْرِ وأَعُوذُ بِكَ مِنْ سَطَوَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ .
اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ورَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ ورَبَّ الْحِلِّ والْحَرَامِ أَبْلِغْ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ عَنِّي السَّلَامَ .
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِدِرْعِكَ الْحَصِينَةِ وأَعُوذُ بِجَمْعِكَ أَنْ تُمِيتَنِي غَرَقاً أَوْ حَرَقاً أَوْ شَرَقاً أَوْ قَوَداً أَوْ صَبْراً أَوْ مَسَمّاً أَوْ تَرَدِّياً فِي بِئْرٍ أَوْ أَكِيلَ السَّبُعِ أَوْ مَوْتَ الْفَجْأَةِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ مِيتَاتِ السَّوْءِ ولَكِنْ أَمِتْنِي عَلَى فِرَاشِي فِي طَاعَتِكَ وطَاعَةِ رَسُولِكَ (صلى الله عليه وآله وسلم) مُصِيباً لِلْحَقِّ غَيْرَ مُخْطِئٍ أَوْ فِي الصَّفِّ الَّذِي نَعَتَّهُمْ فِي كِتَابِكَ : {كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ}.
أُعِيذُ نَفْسِي ووُلْدِي ومَا رَزَقَنِي رَبِّي - بِقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ .. حَتَّى يَخْتِمَ السُّورَةَ.
وأُعِيذُ نَفْسِي ووُلْدِي ومَا رَزَقَنِي رَبِّي - بِقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ .. حَتَّى يَخْتِمَ السُّورَةَ .
ويَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّه عَدَدَ مَا خَلَقَ اللَّه والْحَمْدُ لِلَّه مِثْلَ مَا خَلَقَ اللَّه والْحَمْدُ لِلَّه مِلْءَ مَا خَلَقَ اللَّه والْحَمْدُ لِلَّه مِدَادَ كَلِمَاتِه والْحَمْدُ لِلَّه زِنَةَ عَرْشِه والْحَمْدُ لِلَّه رِضَا نَفْسِه ولَا إِلَه إِلَّا اللَّه الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ولَا إِلَه إِلَّا اللَّه الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
سُبْحَانَ اللَّه رَبِّ السَّمَاوَاتِ والأَرَضِينَ ومَا بَيْنَهُمَا ورَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ ومِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ وأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ والْوَقْرِ وأَعُوذُ بِكَ مِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الأَهْلِ والْمَالِ والْوَلَدِ ..
ويُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ 20.
والحمد الله رب العالمين
خادم الشرع المقدس
صالح الملاحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- القرآن الكريم. سورة الأنعام. آية (2).
2- القرآن الكريم. سورة الأعراف آية (34).
3- البرهان في تفسير القرآن. السيد هاشم البحراني (قدس سره). ج 2. ص 401.
4- القرآن الكريم. سورة ق آية (19).
5- الكافي الشريف. الشيخ الكليني (أعلى الله مقامه).ج 3.ص 261.
6- الكافي الشريف. الشيخ الكليني(أعلى الله مقامه). ج 3. ص 119.
7- المصدر السابق.
8- من لا يحضره الفقيه. الشيخ الصدوق (رحمه الله).ج 4. ص 363.
9- من لا يحضره الفقيه. الشيخ الصدوق (رحمه الله).ج 1. ص 134.
10- الكافي الشريف. الشيخ الكليني(أعلى الله مقامه).ج 5. ص 541.
11- الكافي الشريف. الشيخ الكليني(أعلى الله مقامه).ج 5. ص 559.
12- الكافي الشريف. الشيخ الكليني(أعلى الله مقامه).ج 6. ص 433.
13- الكافي الشريف. الشيخ الكليني(أعلى الله مقامه).ج 6. ص 242.
14- الموسوعة الفقهية الميسرة. الشيخ محمد علي الأنصاري. ج 3 - ص 332.
15- المصدر السابق بتصرف.
16- العروة الوثقى. السيد اليزدي(قدس سره). ج 1 . ص 150.
17- ورد في الكافي الشريف. الشيخ الكليني ( أعلى الله مقامه).ج 6. ص 422:عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : سألت أبا الحسن الإمام الرضا (عليه السلام) عن الفقاع ؟.
فقال : هو خمر مجهول فلا تشربه يا سليمان لو كان الدار لي أو الحكم لقتلت بايعه ولجلدت شاربه .
وقال (عليه السلام) : هي خميرة استصغرها الناس .
18- المقنعة. الشيخ المفيد (أعلى الله مقامه).ص 800.
19- مستدرك الوسائل. ميرزا حسين النوري الطبرسي(قدس سره). ج 4. ص 352.
20- الكافي الشريف. الشيخ الكليني(أعلى الله مقامه).ج 2 . ص 525 .
 
التعليقات 2
إضافة تعليق
مواضيع اخرى