معلمة استثنائية...غالية محروس المحروس
23/08/2017

غالية محروس المحروس

هاهو المساء الذي لا يغادر سمائي يقودني لتأمل وجه أمي, كنتُ وقتها أتأبط أفكاري قبل أن أتسلقُ جسدَ النومِ لأصحو,حيث في كل مرة ابدأ فيها يومي أذكر صوتاً من لهجة أمي، أغادر حتى أبلغ فيها نهاية ظني فيقصي الشوق تعبي، لأعود محملة بعصافيري وشعوري بأنني مازلت قادرة على استفزازك لتقرأني أيها القارئ الكريم. 

وأنا أتهجأ مقالي على الصفحة وحدي شعور غريب ينتابني هذه الليلة , بدوت منهمكة، عصبية بعض الشيء، مستعجلة، لكني أخيراً استطعت أن أنطق بقمة أناملي أمسكت برمش سقط من جفني، تأملته كثيراً، خشيت أن يضيع مني، اعتززت به لأنه سوف يحقق لي ما أرنو إليه اليوم، سوف أتمنى أمنية غالية على قلبي قبل أن أرميه أرضاً، فتمنيت! بل حلمت وماذا حلمت هناك أحلام كثيرة, وقد تخذلني نفسي من منا لم تخذله نفسه يوما, ولا ادري أن كنت خارجة من عباءة أفلاطون فتوارثت أمنيات وأحلام مدينته الفاضلة,أم هي الحاجة الماسة لتلك الأخلاق والمبادئ الأفلاطونية بعدما أصبح غدر الأخ بأخيه وقتل الأب لابنه وخيانة الجار لجاره ونفاق الأصدقاء وخيانة الأحباء, كم من محمد نحتاج وكم من علي وجوده ضرورة لنا و لابد منه, لكي يعود الذي مضى من بعد أن حل الدمار والفساد في النفوس والأرواح والعقول قبل المدن والأوطان.

ثمة نعاس ضربته على رأسي , ثمة مكان آمن قبضته بطرف قلبي فاحتواني وغطاني بنفس الريش الذي طار بي, حيث امتناني لغفوة أخذتني من عناء السفر سوف ابتسم لأمي وللقطيف,ولقد عانق خريف روحي مطر لندن الضبابية الواعدة بالربيع, هذا شتاء آخر تمتد من تحت ردائه يدي لتعانق صيف قطيفنا الحبيب بالأحلام, متى نتغنى بتحقيق الحلم متى نتمتع بصوت العصافير؟ أين ومتى ياعزيزي الإنسان سنعثر على هكذا قطيف، بلا صداقات لا تشبه إلا الصفقات التافهة والحب الذي يتكرر في ماكينة الخيانات اليومية، كم كنت لحظتها مطمئنة لقطيف الذي لا يمكنني الآن أن أقف عليه هذه اللحظة, بهذه الطمأنينة أتمنى أن أغادر عذاب الكتابة بهكذا كتابات, لأنها تحيلني لعذاب ما عدت أطيقه.

استيقظت وأنا اكرر سؤالا من الحلم الذي تركني منذ قليل, غريب إنني لا أتذكر أحلامي غالبا, ولكن كم أنا بحاجةْ لهواءٍ نقي معفرٍ بعطر الطهر مندى بمطرٍ العطر, من غيمةٍ عابرة أتقنَ ربي ملامحها. كمْ أنا محتاجة لمجتمع بكرْ لم يتعرفْ بعدُ على الكذبِ والنفاق والظلم. كم أنا مُحتاجةْ لوطن بلا طوائفْ بلا مذاهبْ دينهُ الوحيدْ السلام, كم أنا محتاجةْ لشمسِ صافية التي لمْ يغويها التطرف ما أبهى الحياة دون تطرف, أعرفُ أنها أحلام مجرد أحلام ولكن يا أعزائي القراء خذوني على قد حلمي, لدي أحلام كبيرة وكثيرة لكنها مشروعة ومباحة وقابلة للتطبيق والتنفيذ والتحقيق, وما أجمل الأحلام حينما تلازمنا بإشراقها ونحن نعيش هاجس القهر والتحفظ,, لأن الحلم هو الأمل وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل, فهل يحق لي أن احلم, فكم الحياة جميلة حينما نكون بميدان الحلم, وكم هي أرواحنا نقية وطاهرة لأنها تحلم من أجل الوطن والناس والحب والحياة. 

أعزائي القراء لا أنوي اليوم كتابة مقالا, بل اسمحوا لي أن ادعوكم بمحبة صافية, لقراءة هذه القصة المؤثرة جدا لنعطي لأنفسنا فسحة من التأمل, حيث سادت في الآونة الأخيرة القول الشائع إنني لم أؤذي نملة في حياتي, فأناجي ربي ببكاء حار وأكرر على مسامع ربي العظيم هذا القول المأثور, ولكن حين نقرأ هذه القصة التي تستفز فينا عشرات الأسئلة هل فعلا لم يؤذي احدنا طوال حياته نملة؟ كم مرة نؤذي فيها أنفسنا وكم شتاء ماطر يكفي ليطهرنا من ذنوب إقترفناها بقصد أو بدون قصد, كم سخرنا من الآخرين وكم قلل بعضنا من شأن البعض, وكم وقف أحدنا حجر عثرة بطريق أخيه وأغلق آخر باب رزق بوجهه وثالث طعنه بكبريائه ورابع خدشه بكلمة جارحة, كم حمّلنا أنفسنا بنوايا سيئة بدل الأمنيات, وكم منا عبد طريق أخيه بالأسلاك الشائكة بدل نثر الورود, وكم كبرياء هتك وكرامة جرحت دون أن يعي أحدنا إلى ما ستؤول إليه نفس بريئة.

لم أشأ بحديث فقط أحببت دعوتكم لقراءة القصة التي أبكتني فانساب قلمي يدعوكم لقراءتها, دون قصد نقلت هذه السطور لصدقها النقي لم أحب حذفها أرجو أن لا تفسر على أنها درسا بالقيم والمبادئ لأني اكره الوصاية, إنها فقط دعوة أرجو قبولها كما هي مجرد قصة فيها أكثر من عبرة وفرصة للتأمل والتطهر ليس إلا,فالحياة مليئة بالقصص والحكايات التي إن تأملنا فيها أفادتنا درسا وعبرة, فا أنا لست الوحيدة ولا الأخيرة، فأوراقي مليئة بحكايات تشبه الحكايات، وربما تتجاوز بعض الخطوط، لتقرأ عن القسوة والظلم والخيانة, أشياء قد تثير في داخلك حالة الوجع ويلدغك ضميرك بصحوة لا تدوم طويلاً، لأنك سرعان ما تنهض لابساً عباءة الماضي لتوغل من جديد في وأد الأحلام.
لنبدأ الحكاية كما هي ولعل الكثير قد قرأها من قبل:
حين وقفت المعلمة أمام الصف الخامس في أول يوم تستأنف فيه الدراسة، وألقت على مسامع التلاميذ جملة لطيفة تجاملهم بها، نظرت لتلاميذها وقالت لهم: إنني أحبكم جميعاً، هكذا كما يفعل جميع المعلمين والمعلمات، ولكنها كانت تستثني في نفسها تلميذاً يجلس في الصف الأمامي، يدعى تيدي ستودارد. لقد راقبت السيدة تومسون الطفل تيدي خلال العام السابق، ولاحظت أنه لا يلعب مع بقية الأطفال، وأن ملابسه دائماً متسخة، بالإضافة إلى أنه يبدو شخصاً غير مبهج، وقد بلغ الأمر أن السيدة تومسون كانت تجد متعة في تصحيح أوراقه بقلم أحمر عريض الخط، وتضع عليها علامات x بخط عريض، وبعد ذلك تكتب عبارة "راسب" في أعلى تلك الأوراق.
  


وفي المدرسة التي كانت تعمل فيها السيدة تومسون، كان يطلب منها مراجعة السجلات الدراسية السابقة لكل تلميذ، فكانت تضع سجل الدرجات الخاص بتيدي في النهاية. وبينما كانت تراجع ملفه فوجئت بشيء ما! لقد كتب معلم تيدي في الصف الأول الابتدائي ما يلي: "تيدي طفل ذكي ويتمتع بروح مرحة. إنه يؤدي عمله بعناية واهتمام، وبطريقة منظمة، كما أنه يتمتع بدماثة الأخلاق". وكتب عنه معلمه في الصف الثاني: "تيدي تلميذ نجيب، ومحبوب لدى زملائه في الصف، ولكنه منزعج وقلق بسبب إصابة والدته بمرض عضال، مما جعل الحياة في المنزل تسودها المعاناة والمشقة والتعب". أما معلمه في الصف الثالث فقد كتب عنه: "لقد كان لوفاة أمه وقع صعب عليه. لقد حاول الاجتهاد، وبذل أقصى ما يملك من جهود، ولكن والده لم يكن مهتماً، وإن الحياة في منزله سرعان ما ستؤثر عليه إن لم تتخذ بعض الإجراءات". بينما كتب عنه معلمه في الصف الرابع: "تيدي تلميذ منطو على نفسه، ولا يبدي الكثير من الرغبة في الدراسة، وليس لديه الكثير من الأصدقاء، وفي بعض الأحيان ينام أثناء الدرس".

وهنا أدركت السيدة تومسون المشكلة، فشعرت بالخجل والاستحياء من نفسها على ما بدر منها، وقد تأزم موقفها إلى الأسوأ عندما أحضر لها تلاميذها هدايا عيد الميلاد ملفوفة في أشرطة جميلة وورق براق، ما عدا تيدي. فقد كانت الهدية التي تقدم بها لها في ذلك اليوم ملفوفة بعدم انتظام، في ورق داكن اللون، مأخوذ من كيس من الأكياس التي توضع فيها الأغراض من بقالة، وقد تألمت السيدة تومسون وهي تفتح هدية تيدي، وانفجر بعض التلاميذ بالضحك عندما وجدت فيها عقداً مؤلفاً من ماسات مزيفة ناقصة الأحجار، وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع فقط, ولكن سرعان ما كف أولئك التلاميذ عن الضحك عندما عبَّرت السيدة تومسون عن إعجابها الشديد بجمال ذلك العقد ثم لبسته على عنقها ووضعت قطرات من العطر على معصمها. ولم يذهب تيدي بعد الدراسة إلى منزله في ذلك اليوم, بل انتظر قليلاً من الوقت ليقابل السيدة تومسون ويقول لها: إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتي!

وعندما غادر التلاميذ المدرسة، انفجرت السيدة تومسون في البكاء لمدة ساعة على الأقل، لأن تيدي أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها، ووجد في معلمته رائحة أمه الراحلة!، ومنذ ذلك اليوم توقفت عن تدريس القراءة والكتابة والحساب، وبدأت بتدريس الأطفال المواد كافة "معلمة فصل"، وقد أولت السيدة تومسون اهتماماً خاصاً لتيدي، وحينما بدأت التركيز عليه بدأ عقله يستعيد نشاطه، وكلما شجعته كانت استجابته أسرع، وبنهاية السنة الدراسية، أصبح تيدي من أكثر التلاميذ تميزاً في الفصل، وأبرزهم ذكاء، وأصبح أحد التلاميذ المدللين عندها. وبعد مضي عام وجدت السيدة تومسون مذكرة عند بابها للتلميذ تيدي، يقول لها فيها: "إنها أفضل معلمة قابلها في حياته".
  

مضت ست سنوات دون أن تتلقى أي مذكرة أخرى منه ثم بعد ذلك كتب لها أنه أكمل المرحلة الثانوية، وأحرز المرتبة الثالثة في فصله، وأنها حتى الآن مازالت تحتل مكانة أفضل معلمة قابلها طيلة حياته. وبعد انقضاء أربع سنوات على ذلك، تلقت خطاباً آخر منه يقول لها فيه: "إن الأشياء أصبحت صعبة، وإنه مقيم في الكلية لا يبرحها، وإنه سوف يتخرج قريباً من الجامعة بدرجة الشرف الأولى، وأكد لها كذلك في هذه الرسالة أنها أفضل وأحب معلمة عنده حتى الآن".

وبعد أربع سنوات أخرى، تلقت خطاباً آخر منه، وفي هذه المرة أوضح لها أنه بعد أن حصل على درجة البكالوريوس، قرر أن يتقدم قليلاً في الدراسة، وأكد لها مرة أخرى أنها أفضل وأحب معلمة قابلته طوال حياته، ولكن هذه المرة كان اسمه طويلاً بعض الشيء، دكتور ثيودور أف. ستودارد!! لم تتوقف القصة عند هذا الحد، لقد جاءها خطاب آخر منه في ذلك الربيع، يقول فيه: "إنه قابل فتاة، وأنه سوف يتزوجها، وكما سبق أن أخبرها بأن والده قد توفي قبل عامين، وطلب منها أن تأتي لتجلس مكان والدته في حفل زواجه، وقد وافقت السيدة تومسون على ذلك"، والعجيب في الأمر أنها كانت ترتدي العقد نفسه الذي أهداه لها في عيد الميلاد منذ سنوات طويلة مضت، والذي كانت إحدى أحجاره ناقصة، والأكثر من ذلك أنه تأكد من تعطّرها بالعطر نفسه الذي ذَكّرهُ بأمه في آخر عيد ميلاد!! واحتضن كل منهما الآخر، وهمس (دكتور ستودارد) في أذن السيدة تومسون قائلاً لها، أشكرك على ثقتك فيّ، وأشكرك أجزل الشكر على أن جعلتيني أشعر بأنني مهم، وأنني يمكن أن أكون متميزاً. فردت عليه السيدة تومسون والدموع تملأ عينيها: أنت مخطئ، لقد كنت أنت من علمني كيف أكون معلمة متميزة، لم أكن أعرف كيف أعلِّم، حتى قابلتك." انتهت القصة"

بالتأكيد عندما أقرر أن أكتب مقالا, علي أن ابتعد عن كل المؤثرات الأخرى لعلني اخرج بنص يصل إلى الأسماع, محاولة أن يكون مقالي صوتا مسموعا, فكيف إذا ما كتبت هذه القصة كما جاءت تماما, وتحت يدي أكثر من فكرة ثمينة تنتظر أن اشتغل عليها، أما فنجان قهوتي لقد غصت بعطرها ، فهي لحظات مخاض لولادة قادمة تستحق العناء, سنلتقي وستحملني أزر ما أكتب, فعيوني تترقب أن تمطر السماء فرحا جديدا, راجية أن يتحول انزعاجك إلى ارتياح بعد قراءة مشاعري جيدا.
حضورك البهي الذي يسبق الأشياء عادة هو عزائي أني ألتقيك بين آن وآن .
شكرا لأنك دائما هنا أيها القارئ الكريم.

فاصلة:
تيدي ستودارد الطبيب المعروف يملك جناحا تحت أسمه " ستودارد" لعلاج السرطان في مستشفى ميثوددست في الولايات المتحدة الأمريكية, ويعد من أفضل مراكز العلاج على مستوى الولايات الأمريكية.
بنت القطيف : غالية محروس المحروس


 ... 

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى