العم منصور نجارًا
11/10/2017
جمال الناصر

همسة : إن أردت النجاح ، لتكن في طريق عشقك ، لا في طريق عشق الآخرين ، لتكتشف في النهاية ، بأنك في الاتجاه الخطأ بلا بوصلة .

العم منصور نجارًا ، لم يكن العم منصور نجارًًا ، ولم تكن لديه أي معلومات وحرفية في النجارة من قبل ، ليكون بين برهة وضحاها نجارًا ، يشهد أهل الحي بأجمعهم بدقة أعماله وما يصنعه في منجرته ، المترهلة الزوايا . " العم منصور " ، يطلق عليه بعض شبان القرية " الرجل المتعدد المواهب " ، قديمًا ثقافة التخصص ، كانت موجودة بملئ مصراعيها ، حيث أن المزارع ، تراه مزارعًا لا يمارس مهنة النجارة وصيد الأسماك وبناء بيوت الشعر ورعي الأغنام ، في آن معًا ، إلا أن العم منصور نوعية فريدة - ربما - ، بسبب التطور والحداثة ، التي أفرزت لنا هذا العم " منصور " .

عاش منصور طفولته بين بساتين والده " ميمون " و والدته " ميسون " ، ترعرعت أيامه والخضرة ، تحتويه من كل اتجاه ، لم يتعلق بها ، كان يهندس ما يبصره من بقايا الأشجار في عينيه ، لتسترجعها الذاكرة ذات يوم ، لتصبح حقيقة . كبر " منصور " ، أصبحت سنينه ، تختزل العشرة أعوامًا ، أخذه والده إلى رفيقة " ممدوح " ، صاحب محل الخياطة الوحيد في الحي ، ليعلمه مهنة الخياطة ، جلس " منصور " ، بين يدي معلمه وعيناه سارحتان في النجارة ، يتخيل القماش خشبًا ، والمقص منشارًا ، والإبرة مسمارًا ، وحين غفلته لا يفيق إلا على صراخ " ممدوح " ، في وجهه ، واصفًا إياه " أنت ولد فاشل " .

لم يكن العم منصور فاشلاً ، إذا ما أجرينا عليه فحصًا ، لنستنتج من خلاله كونه فاشلاً أم ناجحًا . يقال : الرجل المناسب في المكان المناسب ، في هذه المقولة ، حين نطبقها على - العم منصور - ، نجد بأنه لا يرغب في الخياطة وليس لديه ميولاً لها ، ليس ثمة عشق بينهما ، لتجيء بعكس الاتجاه ، لرغباته وميولاته . مع مرور الأيام ، تعرف - العم منصور - ، على نجار في الحي المجاور لهم ، أخذه عشق مهنة النجارة ، لأن يكون علاقة وثيقة معه ، اكتشف " معروف " ، الصديق الجديد ، أن - منصور - ، مولع حد الولع وأكثر بالنجارة ، احتضنه ، زرع فيه أبجديات النجارة ، أتقنها - منصور - ، أصبح له صيتًا في كل الأحياء المجاورة ، افتتح منجرته الخاصة في حيهم ، الزبائن تتوافد عليه بكثرة ، تكلل بالسعادة والفرح ، لإتقانه موهبته .

تزوج - منصور - ، من ابنة عمه " مريوم " ، كانت - مريوم - ، فائقة الجمال ، لديها وجنتان حمراوتان ، تتراقص بساحها قطرات الندى ، عيناها واسعتان ، يسكن في مسافاتها ، الضوء وكل العشق ، عشقها - منصور - ، عشقًا ، يتغنى به ، كتغني الأطفال بلون قوس قزح ، بعد غيمات مطر صافية اللقاء . لم يعلم - منصور - ، بأن موهبته وعشقه للنجارة ، ستذروه الرياح العاصفة ، كان موقعه الإعرابي ، في أنه هل ، يحافظ على نجارته أو يحافظ على معشوقته - مريوم - ، حين طلبت منه أن يترك صنعته ، لخجلها من رفيقاتها .

إن العم منصور ، جعلته الأيام في وضع لا يحسد عليه ، ترك النجارة ، كأنما أمله ، يغادره بقوة ، الفراق الألم ، جعلته - مريوم - ، يعمل مع والدها سعدون في تجارته ، مرت السنون والعم منصور ، يقاسي وضعه ، الذي فرض عليه عنوة ، لم يحتمل ذلك ، مارس الكثير من الأعمال ، ليؤمن قوت يومه ، إلا أنه في نهاية المطاف ، فقد زوجته ، لأنها السبب في ابتعاده عن النجارة ، ولم يستطع العودة لمنجرته ، والبدء مجددًا .

هكذا كان - العم منصور نجارًا ، وهكذا ابتعد عن منجرته . سأله حين وقت رفيقه - معروف - ، عن سبب شروده المتكرر ، أجابه - منصور - : يا صديقي ، كيف يبدع الإنسان ويتألق ، وهو لا يمارس ما يعشق ، كيف له أن ينجح ، وتجبره الظروف ، أن لا يتغنى على ليلاه ، لتكون له ليلاه ، التي لا يعشق .

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى