امرأة تسكنها الحرية
14/10/2017

في ليلة ينام البدر في حضن السماء والبعض يبحث عن حضن غائب, حيث أيقضني الفجر بعد ليلة صاخبة من التفكير, أحاول الليلة أن أكتب حرفا حيث ليلة واحدة لا تكفي لأتحسس مشاعري,أتعجل النهوض باكرا وأستقبل طلوع الفجر ويا لروعة فجري إنها ساعة الطهر, ما أروعه هذا النهار الهواء نقي والسماء مخملية زرقاء والناس مفعمون بالتفاؤل, لا موعد مسبق للكتابة بل تعترضني وأحيانا تهاجمني بقوة, فأخضع لها تماما فلا يمضي وقت إلا وقد كتبت ما يجول وجداني دفعة واحدة, دعني يا عزيزي القارئ وبرشاقة اللغة وبصدق الحس أكتب.

أقول ما أفكر بقدر ما أفكر بما أقول وأحيانا أكتب ما أطمح أن أكون, أرى الكتابة عنوان وجود وهوية تحول, لا يكون الإنسان عميقا إلا بها و لعل بعض الكتٌاب قد حفزت مخيلتي, رغم إن البعض نبهني إلى أخطائي اللغوية وهناك من يتعمد فضحي, وأنا هنا ألمح إن كلماتي تبدو خجلة قبلي, وما دمت أحب القطيف جدا فهي حبيبتي التي تغار منها حتى نفسي وروحي, وهكذا أجد بيئتي المتواضعة قد شكلت لي مخزونا هائلا من الحكايات والقصص والطقوس, التي أنثرها هنا بين حين وآخر.

منذ فترة لم أكتب رسائل ربما لأن جدواها لم يعد ممكنا للأسف, وربما لأن الذين اعتدنا مراسلتهم ما عادوا هنا الآن, أو ربما ما عادوا ينتظرون رسائلنا ,ولن أقول لك عزيزي القارئ إنني في لحظة كتابة هذه الأسطر الانكسار يصدع دواخلي .

أحاول أن أضع عصافير أفكاري على كف قلبي, تاركة الحروف تملأ شريان القلب بالخيال, وأعبر الحدود دون تذاكر وأسكب تلك الحروف و اختبئ أمام الكثير من الأحلام, حيث علاقتي بالكتابة علاقة مصير, وترافقني في كل لحظة ونحب بعض حد العشق.

دعوني أتساءل كيف لنا كبشر نحلم بمجتمع راقي ونحن نعمل على إقصاء الكائن الداخلي الروحي الكامن فينا؟ دعونا نحترم الكون ونحترم الطبيعة ونحترم البشر ونحترم ذواتنا بكل أبعادها, ولكن قبل هؤلاء دعونا نحترم حرية المرأة وحينها سنحترم حرية أرواحنا, دعونا نفتح أفق غير محدودة للمحبة والتسامح والاعتراف بحقوق البشر, حتى نحيا مع حرية المرأة بسلام وانسجام, علينا أن لا ننسى الإنسان رجلا كان أو امرأة هو إنسان ينتمي إلى الكون, وقوام تلك روح التواضع ومشاعر الود والاحترام.

عانت المرأة منذ زمن بعيد من التهميش وعدم إعطائها الدور, الذي يتلاءم مع إمكانياتها وقدراتها التي تؤهلها أن تكون نصف المجتمع, مما دفع الكثير الوقوف بوجهها, إن أزمة الحرية لدينا ترتبط وقبل كل شيء بالوعي, فلا يمكن أن نتحدث عن حقوق المرأة في مجتمع تغيب عنه حريتها وابسطها حقوقها , وأقول صادقة فالمرأة إن لم تتحرر من الداخل وتعي أبعادها, فإنها ستبقى تابعا للرجل من ناحية الرمزية والمعنوية ولن أنوه عن الناحية المادية أو السياسية ولا حتى الاجتماعية.

يعتقد البعض بأن المرأة تكون حرة فقط عندما تصل إلى مركز القرار أو قريبة منه ولكن أزمة حرية المرأة هي أزمة حرية الإنسان, والإنسان لا يكون حرا إذا استعبد غيره فليس من حق الرجل استعباد المرأة, كما إن حرية المرأة لا تعني استعباد الر جل, إذن لابد من الخروج من دائرة العبودية التي تكرس ضد البشر, فحريتي كامرأة ترتبط بحرية الإنسان وهي عملية تربوية, تحتاج إلى تغيير اجتماعي وتربوي وفكري وثقافي قبل كل شيء.

وما يؤسف إنه في الشرق عموما المرأة, لا تقيم ولا تقوم وكأنها نزلت فقط لإسقاط فرض حاشا لله إنها الأهم ولولاها لما وجد الكون. فثقافة الشرق عن المرأة منقوصة, مع إن الأغلبية من مجتمعاتنا تدعي الالتزام الديني والمبدئي, وهاتين الصفتين يجب على من يحملهما يقدر وجود المرأة وثمرتها, إلا إنهم يقدروا هذا فقط بالإدعاءات وليس بالتطبيقات.

لا عليكم من وجهة نظري فأنا امرأة لا أزال محافظة, ولكني أحاول أن أستغل وأعني كلمتي هذه, مساحة الحرية الواسعة التي أتمتع بها في حياتي لأعبر عن حال لسان المرأة العربية المقموعه, ولكن أية قوة من الحرية في العالم لا نملك سوى العزاء في هذه اللحظة التي تعزز حريتنا, لنهدأ ونخرج ونغادر الواقع إلى واقع آخر ونطوي الزمان والمكان ودعونا نتجاوز الأفكار والمعتقدات التي نختلف عليها ولا تنفعنا.

يبقى سؤال أطرحه هنا هل يمكننا وضع خط فاصل بين ما الدهشة لامرأة حرة في الغرب وما يعتبر مثيرا للدهشة لامرأة حرة في الشرق؟ والجواب نعم حيث الحرية تخضع للقيم والتقاليد والمبدأ وفي الماضي كان ممكنا وضع الحدود الممكنة لقيمة حرية المرأة, وهكذا لم تعد حرية المرأة في الغرب تبدو مناسبة أو إنها قريبة للحرية لدى المرأة الشرقية فلنا نحن النساء العربيات حدود وقيود تشبهنا وتلائم بيئتنا .

أعترف وعيني على الغد, ومن أجله وأجل كل امرأة تسعى أن تكون حرة من الداخل أكتب بحريتي فأنا امرأة تسكنها الحرية, اطرح رسالتي هذه لمن لا تملك الإرادة المدفونة وتقول: أنا امرأة حرة وعندي الإرادة أن أكون حرة وأستمر بما أريده, وبالشكل الذي أريده لا تملق لجهة ولا خضوعا لابتزاز ما, لأنني يا قارئ وهذه اللحظة ما زلت مسكونة بحريتي, التي تجرني إلى وجوه و قصص وجمال وخيال, بكل ما فيها من ألم وأمل وحزن وفرح, رغم كثرة كتاباتي عن القطيف مدينتي وأرضي, فإنها تجدد في ذاكرتي وكأنها الدنيا كلها فأكتب عنها بحريتي تلك التي تسكنني, حيث إنني أسكب حياتي في قنوات الصدق والحب, ولم يعد العمر فيه متسع وهكذا أحتفظ بنقائي الوطني ولكن بحريتي.

ما يميزنا عن غيرنا هو إننا نملك الحق في الحلم والحرية, نملك خيارات عديدة ليكون حلمنا أخضر اللون أو مخملي الملمس, لا أحد بإمكانه أن يمنعنا من أن تلبس أحلامنا اللون الذي نرغبه, وكم من امتلأت نفوسنا بلحظات الرضا والقناعة وكم كنا فراشات تحوم حول الزهور, وهذا هو أصفى أنواع حريتي,أرجوك يا عزيزي القارئ أن لا تسمح لأحد يكبت حريتك, أو بالتعدي على كرامتك فالحرية فرسك الجامحة.

كان لدي عصفورا في بيتي يملأ علينا نغمات رائعة, تكسر بوتقة الصمت الخانق ما رأيك, أن تجرب وجود عصفور فصوته قد يداوي جروحا في قلبك, وأكيد أنت يا سيدتي حرة في قرارك, وهنا ستبدأ الحرية تسكنك بطريقتك أنت لا أنا !

ينتهي يومي بشريط من أحداث وتفاصيل وبلا قهوة الصباح, لا يهم طالما هناك حبيب في قلبي يمنحني الحب والسعادة وبفيض من الحنان, أوبخ نفسي وأنا عاجزة عن إنهاء مقالي بما يليق لكن لا ألبث أن أجد لي أكثر من سبب,مرورك أيها القارئ يرفعني لسماء الحرية,وأن تثمن وتقدر فكرة هذا المقال وأتمنى أن نراهن باعتبارنا أحرار وأن نسعى للوصول للحرية.

كثيرون وكثيرون أولئك الذين مروا هنا وسأمر أنا بذاكرتهم يوما ولو بعد حين, وهنا أتجرأ وأهتف قائلة : أيها الليل تنحى قليلا نريد أن نرى ضوء الصباح, ليدرك القارئ ما قصدته هنا وإن كان أو يكون عن بُعد, واثقة إن مسافات الوصول لذلك لن تقاس بالوقت.

إلى اللقاء ومرحبا في الوقت نفسه وسلام لأرض القطيف التي تسكن خلايا الروح والتي تشعرني لا زلت على قيد القطيف وسلامي على كل من يمرون بأيامي صباحات وصباحات,ولهم في القلب مساحة واسعة سعة فرحي .

بنت القطيف:
غالية محروس المحروس
 

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى