أطياف
15/10/2017
السيد فاضل علوي آل درويش 

هل يمكننا أن نوجد مجتمعا تتفق و تتطابق فيه وجهات نظره و أفكاره على مستوى الأصعدة المختلفة ، فنطمح بإيجاد رؤى مشتركة يؤمن بها جميع افراد المجتمع أو غالبيته على الأقل ؟

الحقيقة المغيبة هي أن وجود مساحة من التباين و الاختلاف بين الرؤى هو أمر طبيعي لا غرابة فيه ، فكل واحد ينطلق في فكرته من خلال افق ثقافي و تربوي و اجتماعي معين ، ينظر بواسطته لذلك الحدث أو المفهوم بزاوية معينة ، و بالتأكيد أنه لم ينطلق في انبثاقة تصوره من فراغ أو فكر سبهللي ، بل توفرت عنده جملة من المعطيات و المقدمات التي بنى عليها الفكرة أو النتيجة التي توصل إليها ، بغض النظر عن جودتها و صحة مبتنياتها و مرتكزاتها ، المهم أنه مارس حقه الفكري كفرد من المجتمع ، و ليس من حق أحد أن يعنفه أو يكبته .

بل و نترقى أكثر من ذلك فنقول : أن التنوع الفكري و الاتجاهات الثقافية المتنوعة هي دليل صحة المجتمع و نضج أفراده ، و ما يتم طرحه من أفكار هي بين يدي المتلقين و الجمهور الواعي ، و الذي يستطيع أن يمارس حق النقد و الرد لما هو خاطيء أو ضعيف و ركيك في أسسه و البرهنة عليه ، و هذا المناخ من الحوار و النقاشات الهادئة هو ما يجعل المجتمع حيا في فكره و ثقافته و معارفه الإبداعية النيرة .

و هذا المناخ المتاح من حرية إبداء وجهات النظر و التعبير عن الرأي هو التطبيق العملي لمفهوم ( لا إكراه في الدين ) ، فمع قداسة الطاعة و التعبد لله عز و جل ، فإنه من غير مقبول من وجهة نظر قرآنية أن يأتي المكلف بعباداته بصورة التقليد الأعمى و الطقوس المتوارثة ، بل الطاعة الواعية و القائمة على المعرفة و التعلم و البصيرة الناظرة لعواقب الأمور هي المرغوبة و المطلوبة ، و هي محط رضا رب العالمين .

و أما ممارسة القمع الفكري و وأد الأفكار و رفضها جملة و تفصيلا ، و منع ظهور أي فكرة مخالفة لما هو سائد في المجتمع ، سيؤدي إلى نتائج عكسية لما هو متوقع .

فن الاحتواء و التلاقي و استنطاق الأفكار بما هو مستند على قواعد و أسس منطقية و معرفية ، هو ما يشكل سياج الأمان الفكري ، و يمكن من خلالها التأصيل لمخزون ثقافي و سجل معلوماتي ، و تلك الإثارات و النقاشات لها محصول و منتوج تقدمي في العالم الثقافي و يفتح آفاقا جديدة .

و أما الكبت و القمع الفكري لن يكون له إلا مردود سلبي ، حيث تتحول المعارف إلى أهواء و قناعات خاوية يتزمت و يتمسك بها ، و إن تبين له الصواب في غيرها أو احتواء فكرته على أخطاء كثيرة ، و حينها لاينفع أي حوار معه للوصول إلى قناعات مشتركة ، إذ حينها يتم التأصيل للفقاعات الإعلامية و الأفكار الهوجاء و نصب منبر الجهلاء ، و يختلط الحابل بالنابل و تتشتت العقول بين الغث و السمين ، ويحدث التشويش و إلقاء الشبهات بعد أن تضيع بوصلة التمحيص و البحث الدقيق ما بين ركام هائل من الأطروحات .

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى