دكان أبي شاكر
19/10/2017

بث الواحة: الدمام
للكاتب والمؤلف محمد بن معتوق الحسين
19 أكتوبر 2017

عدت فجر أمس منهكا بعد زيارة سريعة للكويت, ظننت أنني سأنام إلى الظهر من شدة التعب إلا أن حلما مفاجئا قض مضجعي. أفقت ولم أستطع العودة إلى النوم. (كتبت هذه الكلمات بعد إفاقتي فورا)

رأيت في الحلم أنني عدت إلى (حي الشاغور) في دمشق حيث ولدت وعشت سنين عمري الأولى. حلمت بأنني في ذلك الحي العريق في زمننا هذا أعود له بعد أن هجرته منذ عشرات السنين حين عاد بنا أبي إلى الدمام و أنا ابن ست سنوات. رحت في حلمي أتفحص أفاعيل الدهر على جدرانه و أزقته الدمشقية القديمة. هل تغيرت يا شاغور؟

لمحت شرفة العم أبي بسام القطان صديق والدي الذي أقام أيضا لسنوات في سوريا وكنا نزوره دوما. مررت بجانب دكان أبو صطيف (كنية شامية لمن اسمه مصطفى) حيث كانت أمي ترسلني صباحا لشراء الفول و التسقية. وبقربه دكان أبي عادل الذي دله حسه التجاري إلى افتتاح كوى - أو مغسلة كما نسميها - بجانب دكان البقالة خاصته ليكسب زبائن أكثر..

إلى أن قادتني قدماي إلى دكان في الجهة المقابلة دكان أبي شاكر. كانت أمي ترسلني هناك لأشتري الحليب الطازج الذي كان يباع حينها في أكياس بلاستيكية شفافة تشبه أكياس اللحم. دخلت دكان أبي شاكر ومشاعر الشوق إلى تلك الذكريات تعصرني.
خفت ألا أرى أبا شاكر. وجدت فتاة صغيرة في بداية سن المراهقة تقف إلى ركن المحاسبة علمت أن شخصا آخر موجود في المحل بلا شك فأصحاب الصنعات السوريون يصطحبون صغارهم للعمل معهم ولكن لا يتركونهم وحدهم. هل أبو شاكر في الغرفة الخلفية؟ هل لا زال حيا؟

مشيت بخطوات مهزوزة. استرقت النظر. وجدت عجوزا منهكا يجلس في زاوية الغرفة الخلفية للمحل. التفت إلي.. تفحص ملامحي.. ثم تهلل وجهه وحاول النهوض رغم ضعفه. أهلااااااان .

لازلت إلى يومنا هذا أتذكر تفاصيل المكان.. ملامح الوجوه.. عنفوان الصباح المليء بالحياة. رائحة الخبز.. أغنية فيروز.. صياح بائع متجول: عالمكسر عالمكسر يزاحمه صياح آخر: قرب تعال.. ياللي يحب النبي يصلي عليه

ولكن أشد ما أتذكره بوضوح هو حب أبي و أمي وحنانهما.. ذلك الحب هو الذي نحت الذكريات في قلبي فغدوت أسترجعها بوضوح و أحن إليها أكثر من ذكريات فترات الحياة الأخرى. فعندما كنت طفلا كنت في كنفهما. كان كل شيء مرتبط بحضورهما.. ورعايتهما. إلى أن نمت أجنحة الصبا وأردت أن أطير. غادرت العش.. و لم أعلم أن للمكان والزمان مؤامرة اسمها الحنين.

على بعد خطوات من دكان أبي شاكر زاوية الشارع المفضلة لدي.. لأني عند الوصول إلى تلك الزاوية بالضبط يمكنني النظر إلى شرفة بيتنا (البرندة) حيث أبي و أمي جالسان يشربان الشاي. تلمحني أمي.. تبتسم.. ثم تقوم إلى المطبخ لتعد الفطور.. لأن محمد جاب الحليب .

ذاكرتنا حادة في الطفولة.. نحفظ تفاصيلها بوضوح.. المكان والوجوه والرائحة.. وبالتأكيد.. المشاعر. لذلك أعرف اليوم ما أريد. أريد أن أملأ ذاكرة أبنائي بكل جميل.. أريدهم سعداء.. يشتاقون إلي.. يتذكرون حناني واهتمامي.. يحنون إلى أبوتي كما أحن إلى رؤية والدي على تلك الشرفة.. أمسك كيسا من حليب.

 
التعليقات 1
إضافة تعليق
مواضيع اخرى