مواجهة الصعاب
30/01/2017

السيد فاضل علوي آل درويش 

فهم حقيقة الحياة الدنيوية التي يعيش فيها المرء أجلا مسمى ثم يرحل عنها هو ما يجعل من قراراته صائبة و مواقفه و خطاه ثابتة لا يعتريها الاضطراب و الخوف ، حيث يواجه مرحلة الخلود و المستقر و الأبدية في الدار الأخروية ، و التي يكون فيها مآله و مصيره نتاج ما عمل في الدنيا من عمل صالح أو سيء ، فينال رضوان الله و نعيم الجنة من أطاع و امتثال الأوامر الإلهية ، و ينال العقاب الأليم من كفر و عصى و عكف على الآثام و المنكرات ، هذه الحقيقة إن وضعها نصب عينيه فلم تغب عن ذهنه أبدا ، صنعت منه شخصية عصية على السقوط في دائرة الخنوع و الضياع .

هذا الوعي و إدراك حقيقة المرحلة المؤقتة في الدنيا يضعه على سكة الرشد و الاستقامة و الورع عن محارم الله ، و تعلو نفسه على الأماني الكاذبة و المطامح في زخارف و زينة الدنيا و التشبث بها ، و يحمل راية الصبر و كتم أنفاس الآهات و الأحزان و تحملها ، فالأزمات و المصاعب لا تعالج بالهروب منها أو تجاهل وجودها ، بل يواجهها بكل شجاعة و حنكة و يبحث عن حلول ممكنة ، فالدنيا دار ابتلاء و محطات امتحان دائمة ، فما إن تصفو مشاربها لأحد حتى تعاجله بكدرها .

و لن يصاب باليأس و يرفع راية الاستسلام عندما تداهمه الخطوب و المحن من آمن بالله ، و ارتكز في ذهنه و وجدانه حقيقة زوال الدنيا ، فإن أصابته شدة تعامل معها بالصبر و العمل على تغيير واقعه السيء ما أمكن ، و إن توالت عليه النعم لم يقابلها بالجحود و النكران ، بل استدرها بالشكر و أداء حق الله تعالى فيها ، فلا يسكره التكبر و البطر حينئذ .

ضعف الإيمان هو السبب الحقيقي لتلك السوسة التي تنخر في إرادة الإنسان فتضعفها ، فما يراه من فساد مستشري في البر و البحر ، و كثرة المحن و ألوان البلاء التي تحيق بالناس من حوله تصيبه بالتشوش الفكري و تصفيد القدرات عن الحركة ، إذ تراه يغير من عقيدته و يسقط في تيه الحيرة ، و لا يبالي حينها مع هذا الانهيار أن يرتكب المنكرات و يترك الواجبات و الطاعات التي دأب على الإتيان بها !!

الثقة بالله عز و جل و حسن الظن بتدبيره يبقي جذوة الأمل مشتعلة في نفسه لا تخبو ، و مع تكاثر حلقات البلاء و استمرارها لا يزيده ذلك إلا ثباتا و احتسابا و يقينا بأن الله تعالى معه و سيجعل له من تدبيره مخرجا ، فسيرة المؤمنين نفض غبار الكسل و التخاذل و ملامح العجز ، بل ينبرون في ميادين العمل بهمة عالية لمواجهة التحديات و الصعاب ، فالمواقف الثابتة و القوية نتاج نفاذ البصيرة و قوة الجنان .

 

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى