لحظة القبض على إحساسي
17/07/2018

بنت القطيف - غالية محروس المحروس

أبدأ صباحي بفنجان أحاسيسي في بن قهوتي, وأقول للقطيف الدافئة صباحك مكللا بزهر الرمان,عندما تنهدت بصمت مزقتني وأحرقتني بعض الإسقاطات لا تتصور كم! كل ما في الأمر إنني أتنفس الوطن ولو تمكنت الليلة لسكبت فوق أرضك عطر أزهاري, يقول جبران: للعظيم قلبان قلب يتألم وقلب يتأمل, لقد سال حبر قلمي بعدة مقالات حول وطني الأم القطيف, يا عزيزي القارئ أي سعادة ترافقنا ونحن ننتمي للقطيف, لعلني أكون مختلفة عندما أقول: إني أجد كل شيء في القطيف يضحك حتى الحزن نفسه,لا عجب فلقد أصبحت القطيف عاصمة فرحي وعمري وأنا ألمح شمس القطيف خلف إحساسي, عفوا لا تسجل انطباعك عني من خلال ذلك, عليك أن تقرأ داخلي لتجد حقيقتي واضحة لديك, وحينها ستفهم إحساسي دون رياء, حيث البعض يتخفى وراء أقنعة لا تعبر عن حقيقتهم, ونحن في مجتمع نحاكي الظاهر المنمق ومن هذا يفقد الكثير صدق الإحساس ويكونوا ضحايا لأنفسهم.

يحضرني هنا مقولة طاغور: ندنو من العظمة بقدر ما ندنو من التواضع, ولا اعتقد إن هناك مبررا لمن تثيره هكذا أحاسيس حيث الوطن, معشوقة بني البشر الأبدية كخلود الرحمن, فالوطن دائما يستحق كل شيء ولكننا نستحق وطنا ذات أرض خصبة, وحتما بوجود مواطنين ذات ولاء دون زيف,ولدينا الكثير أن نكتب عنه ولدينا أنفسنا كي نعبر عنه الكثير, وأتعجب من يتعجب من حب الآخرين للوطن أي مواطنة نحمل.

كان علي ذات فجر, أن أرتشف قهوتي وبلا حليب حتى أستنشق هواء مكتبتي الهادئة, وما تبقى من أفكار ومفردات فوق سطوري, في تلك اللحظة غبت عن حواسي واستسلمت لهدوء وذهول صامت, ماذا أقول وقد تملكني الصمت وثمة قهر أكاد أشعره بين ضلوعي وماذا بعد! فالصمت يغزوني بدون استئذان وهذا ما يحيرني, أيحدث أن هناك في الصمت كلاما, لعله هذيان ما قبل الكتابة, حيث من السعادة أن تستيقظ ذات صباح لتجد نفسك نصا يُقرأ بين الناس, بل أبحث عن الكتابة التي أدخل فيها ولا أخرج من عيون القراء التي تغرقني بكحل قراءتها لي, وحينها أغيب في الجمال كما تغيب الشمس الجميلة في الشفق الجميل, ليأخذني لعالم بديع ذو معنى لا يشابه شيء ولا حتى المطر في الصيف .

لي عدة أيام متلاحقة أعيش قلقا مفرطا إزاء كتابة نص ما, وفي ليلة مليئة بالغبار كلما أمسكت قلمي لتدوين فكرة بارقة خطرت على بالي, في لحظة أرق وجدتني أرتشف كوبا من القهوة,وكانت تلك القهوة تذكرني ببعض الجمال الاستثنائي, حينما أرسم على صفحة الذكريات لابد لي من كوب قهوة, وعندما اشتاق للحظة حب نقي أتطلع بكوب مثله,لا زلت أتذكر يوم أهدتني إحدى الصديقات, كتابا وتحت توقيعها جملة بقيت راسخة في ذاكرتي " يستحق الحب وحده أن يبقى ويُخلد" ولعل تلك الجملة قد غازلت إحساسي ومخيلتي بسعادة,أعذروني ياأعزاءي وأنا أعلن بأن السعادة كما أسماها المنفلوطي: ضمير نقي ونفس هادئة وقلب شريف نعم,و لنعيش لحظة السعادة لحظة بلحظة مع من نحب ونوزعها على الجميع.

آه لكم شعرت بدفء وصدق الكتابة فأعلنت القبض على إحساسي, ليشهد علي صدقي وخاصة ممن يثق بي, ذات يوم قالت لي إحدى طالباتي تمنت لو حضرت دورتي الإنسانية قبل شهور, وعلى أثرها لن تقوم بما قامت به من قرارات مصيرية شخصية ذات بُعد مؤلم, وهكذا أيضا كتاباتي لا تقل صدقا وإنسانية عن دوراتي, فالكتابة مثل الحب بالنسبة للمحبوب والعبادة للمؤمن والحرية لأي مواطن عادي, فلا عليك أيها القارئ المميز حيث إني أتعلم باستمرار من كتاباتي ومن تجاربي, ومن خلال نقد بعض القراء الجارح الغير حضاري لي, حيث إنني أفقد اقل بكثير مما أربحه ولقد ربحت خاصة نفسي.

هنا وبعيدا عن رياضة كمال اللسان واستعراض العضلات اللفظية, لنتجاوز انتقاداتنا اللاذعة إزاء زلات الألفاظ, فالقارئ اعتبره صورتي وجزء من روحي, حيث لدي قراء أكثر من أصدقاء حقيقيين, على إنني يجب أن أوضح بأنني لا أكتب عبثا ولا لمن لا يستوعب قلمي النزيه, وبذات الوقت لم أتصور مطلقا أن تصل البعض أحاسيسي وكتاباتي, ومع ذلك يقرؤونني وإن الكتابة ليس محل استيعاب إنه محل إحساس وتأمل,وهنا أود أن تحظى كتاباتي بالقليل من التسامح والكثير من التفهم, وأتمنى أن تجد طريقا إلى قلوب الناس قبل عقولهم بما أرسم من ملامح البوح المتاح لي, حيث لا أصنف نفسي ضمن أي اتجاه.

ثمة قهر ووجع في القلب, والسبب وجود ناس في منتهى الغموض وينبغي أن تتوارى عن أعينهم وتفاجئهم بغيابك المؤقت, وأحيانا تفاجئهم بحضورك المتألق, وهذا أنا بحقيقتي أو كما ألمح نفسي تماما, ألست معي أيها القارئ العزيز هناك من تحبهم من أعماقك يهدونك الكره والحسد والسموم.

منذ فترة قصيرة سمعت من صديقتي تهمس في إذن إحداهن, بأنها تتمنى لي الموت بسبب نجاحي الشخصي الذي سبقها بدهور, لكنني خيبت أمنيتها وبقيت حية حتى هذه اللحظة, وأقول لها: لن أموت مجازا الآن ما دمت سُقيت بماء الطهر والنقاء ففي جعبتي الكثير,حيث تجدني أكتب لأعتق الدنيا والناس من الشر والأذى, نعم هذا هو مشروعي الإنساني للتخلص من الأحقاد والسموم, لنكون واقعيين هناك من يحقد عليك دائما فقط لأنك سبقته أو تفوقت عليه, وقد يتورم وينفجر من القهر, وما أجمل الإنسان أن يعيش على إرادة الاستمرار في العطاء رغم العواصف والأعاصير.

يا أعزائي أين الجمال الذي بداخلنا دعونا نعيد تشكيل الإنسان الحقيقي ونعيد للعالم وجهه الحقيقي, لنقول الحقيقة دون جراحة دون مساحيق, لا نريد أن نجعل الوطن أن يكون سجن كبير بسلبياتنا وأحقادنا وسمومنا, وتذكروا لا مسالمة مع العقارب ولا يمكن أن نجني من الشوك العنب. أما آن للنفس أن تهدأ كلحظة إحساسي وتترجل بعد إن قبض عليها!! أعذروني, لا أرغب أن تكون النهايات السعيدة للأشياء مفتعلة, وإلا ستفقد المعنى والإحساس الجميل للذائقة الإنسانية, و لم يخطر على بالي غير أن أتعجب من تلك
اللحظة التي قُبضت على إحساسي.

و بما إن المجال لا يتسع في هذا النص لم يعد لي ما أقول أكثر! ولكن لنا عودة.





 
التعليقات 1
إضافة تعليق
مواضيع اخرى