شظايا متناثرة
17/07/2018
بقلم - نرجس حسين الجمعان.

كم هو مؤلم حين يتعرض أحدهم للظلم من أقربائه وليس الغرباء، فـيـتـفـاجـأ بمن يسيئ إليه، ومن يتعمد إيذاءه، ومن يظلمه، ويشجع الفتنة والخصومة، ويأجج الخلافات، ويروج للشائعات؛ حينها يكتشف أن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة.

وبالرغمِ من تعدد المفاهيم والمبادئ السامية التي ينادي بها الدين ويحث على ذوي القربى ويشجع على التواصل والتراحم فيما بينهم، نجد أن الكثير من ذوي الأرحام قد أصيبوا في أخلاقهم وتعاملاتهم فاشتعلت قلوبهم أحقادا، وأضرمت في أعماقهم نيران العداوة والكراهية بدلاً من أن تسكنهم المودة والرحمة. فـيكثر العتاب وتزداد المحاسبة، ويرتفع سقف المشاحنات، وتتعدد صور الظلم، فلا يكتفي أحدهم بالقطيعة والإيذاء النفسي، وإنما يتجاوزه ليصل إلى الظلم والإعتداء والغدر وتمني السوء، والافتراء بالكذب.

ولا يخفى على أحد أن كل إنسان يبدأ حياته في أحضان أسرته ورعايتها، وبالتالي يرتبط معهم بروابط متينة، وذكريات هائلة، ولذا فإن أهله وذوي رحمه يمثلون مصدر قوة له، بل إنه يعتبرهم سنده في الشدائد، وحضنه الذي يلجأ إليه عند الفزع بعد الله.

من هُنا كان انطلاقي لأسلط الضوء على جانب من المأساة التي يعيشها الكثيرون بسبب أقربائهم، وقد استمعت للبعض، وأروي هنا حديثهن:

وأبدأ المشوار مع فاطمة، والتي تحكي معاناتها بحرقة وألم، فتقول: أنا وبنات خالتي بنفس العمُر تقريباً، ولكن كنت أعيش التمييز العنصري، إذ يسمح لهم بكل شيء، وفي المقابل أمنع أنا من كل شيء، حتى لمجرد إبداء الرأي أواجه بصد عنيف من خالتي، حيث كانت تعتبرني مزعجة، ولا قيمة لي في الحياة، وأن بناتها أفضل مني. وكانت تزيد على ذلك بأن تحرض والدتي على تأديبي بالضرب، وهو مع كونه أسلوب ممقوت، أيضا ليس في محله لأنني لم أذنب حتى أعاقب.

وتضيف فاطمة: كان يجب على خالتي أن تحـبـيـبـي إلى محاسن الأخلاق المتمثله بالدين الذي هو بريئ من تصرفاتهم لا أن تقوم بمقارنتي مع بناتها لتشتعل نار الغيرة في صدورهن. وكان عليها أن تساعـد أمي في تربيتي بدلا من تحريضها على التقليل من قـيمتي أمام الآخرين، لتـسـتـشـعـر بذلك لذة الانتصار حين تفـقدني ثـقـتي بذاتي.

وتختم فاطمة حديثها بقولها: اليوم أنا كبرت وفهمت أن خالتي كانت تبحث في أخطاء الآخرين لتحمي نفسها من أي هجوم او انتقاذ، ورسالتي لها: ستزوركِ أفعالك يوماً، فلا تتفاجئين.

ومحطتنا الأخرى مع قـلـب سماح الموجوع حيث تقول: كان لي أبناء عمومة تسببوا في أن يقف قطار زواجي لسنين عديدة، فكلما تقدم لخطبتي شاب خلوق وملتزم يأتي الرفض الشديد منهم، إلى ان تقدم لي شاب يرتضونه هم، وتمت الموافقة عليه من قبلهم وبإصرار شديد، وأنا ليس لي حيلة بينهم، فـتم عـقـد الزواج، ولكني مع مرور فـترة زمنية ليست طويلة أكتشف سلوكه المنحرف، فطلبتُ الخلع، ولكن بعد أن نتج عن هذا الزواج أطفالا ليس لهم ذنب أن يكونوا ضحية هذا الواقع المؤلم. وما أن تم الطلاق، وإذا بي أتفاجأ بأن أبناء عمومتي هُم أول المصفقين والمتراقصين على جراحاتي، وحين استنكرت عليهم ما اقدموا عليهم من إجباري على هذا الزواج وما آل إليه واقعي المؤلم أجدهم ولكل وقاحة يقولون: كنا نعلم مسبقا بأخلاق وسلوكيات زوجك.

وهنا تصرخ سمـاح بألـم: لماذا كـل هـذا الظـلـم؟ وكـل هـذا الحـقـد؟ ألهذا الحـد نحـن نعيش بين ذئاب تـنـتـظـر الفرصة لـتـنـهـش لحومنا. كم كـنـت أظـن أن الأهـل سـنـد وعـزوة للبـنـت، وهـم مـن يـلـبـون نـداء الأسـتـغـاثـه ويـتـسـابـقـون لإنقاذنا عـند غترقـنا، ولكـني أراهـم هـم الـذيـن يتـسـبـبـون فـي غـرقـنا وتحـطـيـمـنا.

وختمت سماح قولها: لنا رب سيـنصـرنا عـلـى كـل مـن يحـدث نـفـسه بظـلمـنا، وسيأتي ذلك الفجـر الذي تـشـرق بـعـده شمـس الانتصار.

وفي ختام مقالتي أحب أن أؤكد أنه ليس كل الأقـارب كالعـقارب، فهـنـاك مـن الأقـارب مـن يعيـش هـمك قـبل فـرحك، ولا يـبـخـل عـليـك بأي شيئ إطـلاقاً، فـقـد يضحي بأغـلى مايملك لأجـل مساعـدتك، إلا أن حـديثي فـي هـذه المقالة يـتـناول تلك الآلام التي يـتعرض لها الكثير مـن النـاس فـي مجـتمـعـنا نتيجة التصرفات الذميمه التي تصدر من بعض الأقـارب وتسهم في هدم العلاقات وقـتـل المحـبة والمودة.

وهنا أتساءل: لماذا هـذا الحقـد الدفـيـن الذي يغـتـمـر فـي قـلوب البعض مـن الأقـارب، ليوجـهـوا سهام حـقـدهـم عـلى إنسـان تربـطه بهـم أواصـر الـدم؟ إنه واقع مؤلم حقا.
 

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى