الإصغاء...لغة الجسد
17/07/2018
بدرية علي ال حمدان

إنّ عدم الإصغاء أو عدم القدرة على الإصغاء إلى الآخر، يُعتبر مشكلة قائمة بيننا وبين الٱخر، إذ إنّه ومنذ صغرنا لم نعتد الحوار السّليم ولم نتعلّم، بشكل عام، الأسس السّليمة للحوار. والأشخاص الّذين يصغون إلى الآخر هم الّذين يجيدون كيف يسمعون وماذا يريدون أن يسمعوا من الآخر بهدف التّواصل معه بشكل سليم. وما لم نصل إلى القدرة على الإصغاء للآخر لا يمكننا أن نتفاهم معه. 

ومن الحقائق المتعارف عليها فى علم النفس , إن الإنسان يفكر بأضعاف السرعة التى يتحدث بها , لذلك فإن العقول تكون فى حالة سباق مع الصمت , ومن ثم فالمستمع أقوى من المتحدث , وقد وجه القرآن الى المسلمين الأمر بالإنصات أمام القرآن , للتفكر والتدبر ونيل الرحمة والهداية, قال تعالى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الأعراف :204}. 

والجدير بالذكر أن الإصغاء ليس بالشيء السهل فهو يتطلب قدرة كبيرة تفوق قدرتنا على الكلام والتحدث , فالإنسان مجبول على الكلام ومدفوع إلى الرغبة فى الصدارة والتميز
أنّ عمليّة الإصغاء يجب أن تأتي بشكل طبيعيّ من خلال أسلوب العيش والتّربية. 

كما أنّ صعوبة التّواصل والإصغاء تنتج عن عوامل عدّة أهمّها:

التربية
يلعب الأهل دوراً أساسيّا في كيفيّة تعليم الأبناء فنّ الإصغاء من خلال الممارسة وليس من خلال الوعظ. فإن أصغى الوالدان لأبنائهما، أيّاً كانت المواضيع الّتي يطرحونها، ساعدوهم على التّواصل بشكل صحيح. أمّا إن استمرّت التّربية في سياق الأمر والطّاعة بدون أي نقاش فلا بدّ من أن ينشأ الأبناء على فرض آرائهم دون الأخذ بعين الاعتبار رأي الآخر..و قد يشكو الأهل اليوم من عدم توفّر الوقت للإصغاء لأبنائهم بسبب كثرة المشاكل ووفرة المسؤوليّات والحياة الصّعبة. 

ولكن الوقت المطلوب للإصغاء لأبنائنا يفترض أن يكون نوعيّاً لا كمّيّاً، كما يفترض أن نخصّص لهم و قتاً معيّناً لنصغي لهواجسهم ومشاكلهم. إنّ كيفيّة الإصغاء لهم والتّفاعل معهم يدرّبهم بشكل تلقائيّ على الإصغاء للآخر والتّفاعل معه.
ما الّذي يمنعنا عمليّاً من الإصغاء بشكل صحيح؟ 

هناك عوامل أخرى تعرقل مقدرتنا على الإصغاء إلى الآخر. وتتجلّى في عدة نقاط منها: 

الأولى: الانهماك بالمشاكل الشّخصيّة الّتي نعاني منها والّتي تلقي بثقلها علينا ولا يعلم بها الآخر. 

الثّانية: عدم التّحلّي بالصّبر، ففقدان هذا العامل ينزع منّا القدرة على التّواصل. 

الثّالثة: في حالة الإرهاق الجسدي، التّعب، الجوع، الهمّ، يجد الإنسان صعوبة في الإصغاء إلى الآخر لأنّ ذلك يتطلّب ما هو أهمّ من الحضور الجسدي وهي القدرة الدّاخليّة.والقبول 

الرّابعة: الدّخول مع الآخر في حوار ونحن
محملين بأحكام مسبقة عنه وهذا يجعلنا نضعة في اطار
سلبي أو ايجابي.
الوسائل الّتي تمكّننا من تحسين المقدرة على الإصغاء:  

١/الإصغاء هو فعل جسديّ وحضور ذهنيّ وداخليّ يعبَّر عنه خارجيّاً بالجهوزيّة الكاملة. وهو حدث، لأنّه يتطلّب منّا الكثير من الوعي والاهتمام بالآخر 

٢/الصّمت هو مفتاح هذه القدرة على الإصغاء، لأنّ الإصغاء إلى الآخر يفترض أن ننفتح داخليّاً على الطّريقة الّتي نرى فيها الأمور وعلى المعطيات الّتي نعيشها. لذلك فإنّ الصّمت يمنحنا القدرة على رؤية الأمور كما يراها الآخر كما يجعلنا نفهم كيف نتفاعل معها. إنّما هذا لا يعني أن نعيش الصّمت كيفما كان، لأنّه حتّى الصّمت له أوجه عدّة، منها ذاك الّذي يُعبّر عن غياب أو لا مبالاة. كما أنّه يمكن للآخر أن يأخذ علينا أنّنا غير موافقين على ما يقوم به. 

٣/الصّمت الّذي يجب أن نعيشه لنتمكّن من الإصغاء هو ذاك الّذي يمنحنا القدرةالكاملة الدّاخلية للإصغاء إلى كلام الآخر. بمعنى آخر وبسيط، الصّمت هو أن نمنح ذاتنا للآخر في الوقت المكرّس له لنسمعه يتكلّم ونتفاعل معه. فإذا عرفنا كيف نصمت، عرفنا الولوج إلى داخل الآخر. 

٤/الإصغاء يمنحنا سلطة في التّقرّب من الآخر وهذا ما يعطينا المقدرة على حلّ الكثير من الإشكاليّات وتخطّي الكثير من القلق والاضّطرابات، ويحوّلنا إلى إنسانيّين متمكّنين من استيعاب ذواتنا واستيعاب ذات الآخر
وعلينا العمل بالحكمة القائلة.
أول العلم الصمت والثاني حسن الإستماع والثالث حفظه والرابع العمل به والخامس نشره.

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى