خواطرُ من مجلسِ العلامة الفضلي (ره) - (١٧)
12/11/2018

مواقف ووصايا ثقافية (5)
بقلم: سعيد حسن المطرود


ما دمتَ قاصدًا دارة الغريين حيث مجلس العلم والثقافة والأدب لعلامتنا الفضلي بحي المباركية بالدمام فلن تخرج صفر اليدين.

فما إن يُفتحُ بابُ مجلسه الساعة السابعة مساءً حتى ترى الزائرين يفدون - بكلِّ شوقٍ - من أماكنَ مختلفةٍ من القطيف والأحساء والدمام وفي بعض الأحايينِ من البحرين والكويت وفي أحايين أخرى من بعض الدول العربية كالعراق ومصر كما شاهدتُ ذلك في مديات ترددي على مجلسه المبارك.

وما إن يستقرَّ المجلسُ ويبادلُ زوارّه التحيةَ والترحيب والسؤال عنهم وعن أحوالهم حتى يبدأ الحضور بطرح أسئلتهم واستفساراتهم كلٌّ في مجال تخصصه واهتمامه طالبين من سماحته في أغلبها رأي المشرع الإسلامي فيما يطرحون أو راغبين في استشارة علمية أو اجتماعية وغيرها.

وقد قادني إلى هذه الذكريات العطرة تصفح صور مجلسه المبارك زوّدني بها مشكورًا الأستاذ العزيز محمد علي الصيرفي من بلدة الربيعية بتاروت ولا يفوتني هنا أن أتقدم بالشكر الجزيل له لتفضّله بإرسال هذه الصور القيّمة فقد كان له الدور الكبير في توثيق مجلس الشيخ بعدسته الحاضرة معه دومًا حيث قمت بمراسلته بغرض إرسال بعض الصور التي توثق الخواطر التي أكتبها وإذا به يبذل جهدًا كبيرًا في إخراجها من أرشيفه الكبير وإرسالها لي مشكورا الصورة تلو الأخرى فله مني ألف شكر وتحية وجزاه الله خير جزاء المحسنين.

وما لحظته في مجلس علامتنا الفضلي وبشكل مُلفت أن بعض حاضري مجلسه يطرح سؤالًا ما كعادة الحضور ويريدُ من الشيخ أن يجيبه عن سؤاله أو استفساره ويكون في المجلس مجموعة من طلبة العلوم الدينية ويكون لدى أحدهم حماس في إجابة السائل فيأخذ الإذن من سماحته قائلًا: هل تسمح لي شيخنا أن أجيبه؟
فيرد عليه الشيخ الفضلي بكل رحابة صدر وبابتسامة عريضة: «نعم تفضلوا شيخنا».
فيجيب طالبُ العلم عن سؤالِ السائل والشيخ يظل مستمعًا وبعد الانتهاء من الإجابة يثني الشيخ على الإجابة بقوله: «أحسنتم شيخنا».
ولا يكتفي بإتاحة الفرصة لذلك الحوزوي المتحمس بل يقوم الشيخ الفضلي أيضًا بتعريف طالب العلم للحضور ومنطقته ومستواه العلمي وذكر بعض مؤلفاته إن كان له مؤلفات.
ولعلّ بعض الحاضرين - وأنا منهم في بعض الأحيان - يتضايق من هذا التصرف والسلوك غير المألوف من طالب العلم في محضر الشيخ العالم إذ يعد ذلك تجاسرًا ولا أراه مناسبًا في محضر الشيخ.
لكن الشيخ كانت ل نظرةٌ مختلفةٌ عنا فهو العالم المربي وإتاحته المجال لطالب العلم بإجابة السائل يجعل من طالب العلم واثقًا من نفسه وقدراته وقد يكون ذلك وسيلة ليتأكد من إجابته في محضر الشيخ الفضلي. ولعل من شأن هذه المشاركة أن تكون حافزًا له على عمله الديني والتبليغي الذي طالما حث عليه علامتنا الفضلي في مواقف كثيرة.

وخشية الإطالة في سرد مواقف وقصص تتعلق بالشأن الثقافي لسماحته ولكي لا أطيل كثيرًا أجد من المهم أن أنتقل إلى تتمة وصاياه الثقافية:

١٢- لا بد أن نكون أقوياء لننالَ احترامَ العالمِ
يقولُ شيخنُا الفضلي (ره): «يَجِبُ أن نضعَ أمامنا هاتين المعادلتين وننطلق من فهمنا لهما وهما:
- الضعف الثقافي + الضعف الاقتصادي = عدم الاحترام.
-القوة الثقافية + القوة الاقتصادية = الاحترام
ومن هنا لا بدّ لنا من الأخذ بأسباب التكنولوجيا الحديثة وعرض النظرية الإسلامية في مجال الاجتماع والاقتصاد والسياسة والتشريع العام بصورة تغطي متطلبات العصر وأن نوضح للمسلمين وغيرهم المستوى الحضاري للدين الإسلامي الذي يجعل الجميع يؤمنون بقدرته على التعايش مع الحضارات الأخرى وتحقيق أسباب الاحترام للمسلمين».
راجع: حوارات في الدين والفكر واللغة مع الدكتور عبدالهادي الفضلي ص ٩٧- ٩٨.

وفِي السياق نفسه يتحدث سماحته عن أهمية أن يكون المسلمون في مصاف الأمم المتقدمة وذلك في محاضرة له بعنوان: (الوقت وأهميته) يقول هناك:
«الإسلام أراد للإنسان أن يعيش عزيزًا كريمًا فأي مسلمٍ يعيش ذليلًا بإرادته ونتيجةً لكسله فسوف يحاسب يوم القيامة بدون أدنى شك انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿لن يجعل الله للكافرين على المسلمين سبيلًا﴾ [النساء آية : ١٤١] ومن قوله تعالى: ﴿ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين﴾ [المنافقون آية: 8].
١٣- استثمروا أوقاتكم بالإنتاجية والفائدة
دائمًا ما نسمع علامتنا الفضلي (ره) ينتقد وبشدة ظاهرتي: الكسل وتضييع الوقت وما ينتج عنهما من تأخرنا كأفراد أو كأمة.
إذ يرى سماحته أهمية أن يستثمر الإنسان عمله الوظيفي في أن يكون:
- وقت إنتاج إذ يجب على المسلم أن يقضي ساعات عمله الثمان بالعمل والإنتاجية ولا يجوز للمسلم أن يتلاعب بعمله وإنتاجيته مهما كان السبب. شريطة أن يكون العمل مباحًا من الناحية الشرعية والقانونية.
حتى لو كانت جهة العمل شركةً غير مسلمة؛ ذلك أن العمل من العقود التي يجب على المسلم التزامها انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿أوفوا بالعقود ...﴾.

وما كان يدفع العلامة الفضلي إلى مثل هذا الحديث هو ما كان ينتقده من وضعٍ قائم في كثيرٍ من المجتمعات العربية إذ غالبًا ما يجنح الكثير من الموظّفين إلى ما سمّاه: (الوقت الضائع) فعبّر عنه في إحدى المناسبات بأنه سرقة لوقت العمل ويتمظهر غالبًا ببعض الممارسات الخاطئة مثل:
- الأحاديث الجانبية بدل الإنتاج وخدمة المستفيدين.
- الهروب من العمل.
- الذهاب إلى العمل متأخرًا والخروج باكرًا.
فضياع وقت كلّ فردٍ من أفراد الأمةِ في اللامبالاة وعدم الإنتاجية يؤثر بشكل طردي على إنتاج الأمة ككل.

١٤- ثقوا بأنفسكم تتميزوا

كثيرٌ منا درسَ أَو يُدرِّسُ كتبًا ليس من إصدارات المؤسسة التعليمية أو التربوية التي ينتمي إليها وليست من تحبيرات أساتذتها عادةً. فتجدها في أغلب الأحيان غير مناسبةٍ للمستوى الدراسي أو التعليمي للطلاب المستهدفين أو أنها تحاكي بيئات تعليمة وثقافية مختلفة ولَم يُلحظ فيها احتياجات الطلاب التربوية والتعليمية المناسبة لبيئتهم ومجتمعهم وفي بعض الأحيان يُلاحظ عليها أنها غير تربوية أو أنها ماضوية فيما تعالجه من قضايا وأفكار وغيرها من الملاحظات الأخرى.

لذا نجدُ الشيخ الفضلي في أكثر من موقف ومناسبة يتحدثُ ويركز على أهمية ثقة المؤسسات التعليمية والتربوية بنفسها في كتابة مناهجها ومقرراتها حتى وإن كانت ثمة هنات في بداياتها. فالتجربة وأخذ ملاحظات المعنيين من الأساتذة في الميدان التربوي والتعليمي لتلكم المناهج حريان بصقلها وتطويرها.
فكثيرًا ما سمعته يتحدث بأن من مواطن قوة المؤسسات التعليمة والتربوية أن يكون كتّابها من طاقمها التعليمي والتربوي.

وهذا النصيحة الرائعة يوجهها علامتنا الفضلي للمؤسسات التعليمية والتربوية التي تخرج المربين والمعلمين إن على مستوى الجامعات وإن على مستوى الحوزات العلمية وامتداداتهما من مؤسسات تعليمة وتربوية تابعة.
وقد لمست ذلك بشكل جلي وواضح عندما كان بعض الإخوة في مركز الهدى للتعليم الديني بالقديح يعرضون عليه المناهج التي كانوا يكتبونها منهم: المرحوم الأستاذ سعيد مهدي الخويلدي (ره) والأستاذ حسين منصور الشيخ فيقوم بكل أريحية بمراجعة تلكم المناهج مصححًا ومصوبًا ومشجعًا على الاستمرار. وسأرفق لكم صورة لتلكم التصويبات بخط يده المباركة كمرفق لهذه الخاطرة.

رحم الله علامتنا الفضلي وحشره مع المعصومين (ع)
 

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى