انبعاثات دخانية
26/02/2017
السيد فاضل علوي آل درويش

تضم بيوتاتنا الأسرية بين جوانحها الكثير من المشاكل المتعددة ، و التي تضع فواصل و حواجز ما بين العلاقات المستقرة بين أفراد الأسرة ، و تظل في طلتها البغيضة وجودا يقض مضجع التفاعل و التكاتف و المساندة ما بينهم ، و لا ترتاد مجلسا إلا و هناك من يبسط مشكلته في علاقته بزوجته أو بابنه أو ابنته مع تباين القضايا و الأسباب ، و تعصف هذه المشاكل بصفو و استقرار الأسرة و تدخل أفرادها في دوامة المناكفات و العناد و المشاحنات ، و مثل هذه المستويات العالية من الانفعالات و التي تسمح لأبسط خلاف أو كلمة خاطئة أو حوار عابر أن يتحول إلى عراك و شجار غير محمود العواقب تعد عقبات تدميرية ، و هذا ما يؤثر سلبا على غياب رابطة التعاون و الثقة و التكانف بين الأفراد ، و يخلف وضعا نفسيا سيئا يلقي بظلاله الثقيلة على مسيرة الإنجاز و الإنتاجية للجميع ، و السؤال النهم هو : هل هناك من أسر تخلو من الخلاف و الكباش و حالة من التوتر بين أفرادها ؟

الحقيقة أن الكلمة المشهورة و هي : ( الخلافات ملح الحياة ) تصيب في جهة معينة ، إذ أن الخلاف يعني وجود تصورات و أفكار متباينة ، و إذا تمت معالجتها و مناقشتها بأسلوب حضاري و في نسق حوار هاديء ، فسيكون لذلك التلاقي دور بارز في نضج الأذهان و تنمية قدراتهم العقلية ، فيتعلمون مهارة حل المشكلات و مدارستها و التعاضد في تجاوز مراحل الصعوبة و الخطر و التأزم ، فمظلة الأمان الأسري يستشعر الفرد بوجودها الطمأنينة في اللحظات و المراحل العصيبة .

و المشكلة الأسرية في أصل وجودها لا تعد مشكلة إن مثلت حالة من التعرض و البروز مع تجاوزها بهدوء ، فالاحتكاكات بينهم تمثل حالة شبه يومية ، كما أن سوء الفهم أو الخلاف حول أمر ما لا يمثل حدثا استثنائيا أو خطيرا ، و للظروف الصعبة و الحالة النفسية السيئة بسبب الهموم و الآلام تأثير على نشوب الخلافات ، و ما يخاف منه هو افتقاد أفراد الأسرة لمهارة و أساليب التعامل معها فتغيب حالة التفاهم بينهم . فأصل الخلاف هو طبيعة بشرية من الوهم و الاستحالة تفتيت بوادرها و إطلالتها ، و ليس هناك من ثمة مخاوف إن برز شيء منها بين أفراد الأسرة ، و إنما الخوف يقع من تحول الخلافات إلى بؤر تشتت علاقات الأفراد ، بعد أن أصبحت مصدر تعكير و ضجيج متعال أدخل الأسرة في نفق مظلم ، و فاحت رائحة الكراهية و المشاعر السلبية لأدنى سبب من سوء الفهم ، و التعامل بلغة القطيعة و الهجران بين الأزواج أو الإخوة بسبب مواقف انفعالية تركت بلا حل أو معالجة .

الاسترسال مع أي خلاف حتى البلوغ إلى نهاياته المؤلمة دون تدخل علاجي يوقف ذلك النزيف ، هو مكمن استفحال و تضخم المشاكل و تحولها إلى نقاط استعصاء على الحل ، و التلظي خلف الردود الغاضبة و المتهورة بحجة القهر و الألم و الاعتذار بها تجاه أي إساءة للآخر لن يكون مقبولا بالمطلق ، فأي مشكلة يمكن تجاوزها بالحلول التامة أو الممكنة أو تأجيلها لوقت يتفق عليه الجميع ، من خلال لغة الحوار و التفاهم و استماع وجهة نظر الآخر ، فاستعراض العضلات و لغة الفتونة لا تؤدي في النعاية إلا للخراب و الدمار الأسري .



 
التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى