قصة قصيرة: ساعة زمن ...امل العوامي
14/03/2019


رجعت الطفلة من المدرسة فرحة مسرورة وبيدها شهادة النجاح لم تكن هناك دوائر حمراء كما توجد لدى بعض زميلاتها كانت تركض وهي تسابق الريح
سوف تذهب للصف الخامس اووه انه انجاز كبير .. هكذا اشعرها والدها حين وعدها انه سوف يأخذ لها ساعة
فتحت الباب وهي تهرول للداخل اصطدمت بوجود عدد من الأشخاص مجتمعين
لا يزال يغلب عليها جو النجاح والرغبة في زف البشرى؛ جعلها لا تعبأ بهم
بصوت عال لتُلفت الانتباه قالت انظروا لقد نجحت فنهرتها والدتها
شعرت بالخجل وخيبة الأمل مصاحب للقلق الي تسلل إلى نفسها؛ بصعوبة استوعب عقلها إن هناك خطب ما..
وان الجو حزين
و إن هناك ناس كبار من العائلة يتحدثون بحذر ويتناقشون مع والدتها في ما حدث وما يتبعه من مسؤوليات ...
فيما بعد
عرفت بعض التفاصيل
كان والدها في عمله وقد خرج وقت الغذاء كانت سيارة قد أصابها خلل فمالت عن الطريق وصدمته
علمت إن الصدمة ليست شديدة لكنه وقع واصطدم راسه بحاجز فدخل في إغماءه ثم فتح عينيه وهو شبه نائم لا يعي ما حوله دون ضرر اخر
.....
قررت الشركة التي يعمل بها أن ترسله إلى مستشفى خارج المدينة ليُنظر في حالته
تكفلت الشركة بجزء قليل من تكلفة العلاج
وتم اقتطاع معظم
مصاريف العلاج من راتبه
كان لوالدها عمل شخصي اخر انقطع كمورد رزق لهم تماما.
هكذا لم يعد والدها هناك
ولم يشتر لها الساعة
وتغير الوضع في المنزل بإيقاع سريع ...
تم بيع السيارة وتأجير جزء من المنزل دون ان يغطي ذلك كافة التكاليف لنصف دزينة اطفال خاصة وقت بداية الدراسة وما اشبه قام الأخ الأكبر بعمل بقالة صغيرة قرب باب المنزل خلال شهر رمضان المبارك كما قام ببعض الاعمال اليدوية الطارئة وفد حفزته غيرة الصبا
لتقديم المساعدة كيفما تكون غالباً يعمل بصمت
في تلك الأجواء المتحفظة
وقد صار فجأة كل شيء بحسبان
لم يصلوا إلى درجة الحاجة مطلقا
ولكن الأم كانت بحاجة لدعم معنوي واظهار مشاعر الود من المقربين لديها اذ أن الضغط المفاجئ والوحدة ارهقتها
رغم إنها اعتادت ان تقوم بمعظم الأعمال وحدها فزوجها غالبا يأتي فقط عطلة نهاية الأسبوع
لكنه على الأقل كان هناك يتابع الأمور كما معظم الامهات في ظروفها
تعودت العطاء والعمل الدؤوب لترعى الاطفال خير رعاية دون عون من أحد وكان البيت قبلة الأحباب الذين لم يتعودوا ان يمدوا لها يد العون يوما و ربما لهذا لم يعرفوا كيف يفعلوا ذلك لها حين اقتضت الظروف أن يفعلوا
اصبحت هناك سلسلة ممنوعات
مثلا عدم مشاهدة التلفزيون الا ساعات محدودة حرصا على فاتورة الكهرباء
ذات مرة جلست واختها تشاهدان فيلم هندي مؤثر:
( فقد ضاع الاخ والأخت بعد ان اضطرتهم الظروف ان يصعدوا للسفينة التي غرقت وتم انقاد الركاب لكنهما افترقا ثم التقوا بعد عشر سنين في اخر الفيلم)
من هناك ؟ ...
الحمد لله تم اكتشاف امرهم نهاية الفيلم هذا جعلهم يحتملون مرارة التقريع .
اتى يوم آخر كانت السفرة عامرة
والصحون في المغسلة اكثر عماراً ذهبت السكرة وبقيت تلك الصحون والماء والصابون
وقفت تغسلهم انطفأت الكهرباء وكان المكان يغلب عليه الظلام تخيلت ان حشرة هناك صارت تغسلهم ودموعها تنساب خوفا من أن تلمسها
شعرت بالغيظ فجأة وبالظلم ايضا
ارادت أن تذهب بعيدا كما في القصص مع أحد من اقاربها لكنها سرعات ما انهت عملها وتلاشت الأفكار الضبابية.
الخلاصة رغم صعوبة الظرف
ألا أنه خلق جو حميم في المنزل .
كانت تسمع صوت بكاء
صادر من غرفة الاستقبال حيث اعتادت امها تدعو الله ان يفرج عن ابيها وتبكي على وضعه إنها ساعة الغروب انها ساعة استجابة
صار هذا الدعاء الخالص لله ضمن الشعائر اليومية قبل اذان المغرب
الذي لم تنساه أبداً
بكاء ودعاء
لكنها لم ترى امها تبكي
فقط تسمع صوت بكاءها الخافت ... وكأنه تسبيح
يضفي لساعة الغروب مزيد من الهيبة
بعد الصلاة يرجع نظام البيت كما هو و لا تلبث الأم ان تنهمك في دوامة العمل اليومي الرتيب.
بعد الفطور جلست مع اخيها تحسب معه الريالات القليلة التي ربحها تحت ظل سماء رمضان المبارك
اعطاها بسكويت كويتي لذيد كمكافأة للمساعدة
كعادته بعد اغلاق متجره الصغير جداً
فجأة قال لها
سوف ابيع ساعتي لست بحاجة لها
تذكرت الساعة التي كانت تنتظرها السنة الماضية
نظرت لأخيها الذي لم يتعد سن الثانية عشر وهو يشعر بمسؤولية البيت شعرت بالنخوة والحنان والرغبة ان تقدم بعض المساعدة لكنها سرعان ما تنسى الهموم وتتركها لهم
اخذت كتيب يحوي بعض الشعر للمتنبي كان والدها يحب يقرا منه بعض الابيات المعروفة مثل :
إذا رأيت أنياب الليث بارزة فلا تظنن ان الليث يبتسم
لم ترى الأسد ولم تخاف منه ولم تفهم من بيت الشعر الا ان الأسد هو كائن مبتسم وسعيد جعلها ذلك تحب رؤية الأسد في حديقة الحيوان
ذلك الملك الفخم وصوته الذي يقتحم الفضاء فجأة
رمت الكتاب حين اخبرتها والدتها انها سوف تذهب مع اخيها واختها لزيارة والدها
وكلفتها بالجلوس في البيت للمساعدة في رعاية الصغار مع إحدى قريباتهم
..
لم تفهم الحكم الجائر ان لا تتاح لها رؤية والدها
لكنها انصاعت للأمر انصياعها للمسائل الأخرى
حين عادوا شعرت بأهميتهم
وشعرت انها كان يجب ان تذهب ايضاً لتراه
لكن ذهب العتب حين رأت على وجوههم بوادر الفرح وهم يتحدثون ...
إن الطبيب طمأنهم و ان هناك بوادر للتحسن٠
...
عاد الوالد الكريم
وعاد الفرح والحبور
وتم استقباله في حفل عائلي كبير ...
كيك وشوكلاته و طيبات فجأة خرجت للوجود
أين كانت تلك اللذائذ من قبل
كم كان ذلك اليوم جميل
....
كأن الزمان عاد للوراء
وهي تركض عائدة للمنزل .
وقد غمرتها السعادة كليا ؛ حين اعطاها الساعة التي اشتراها لها يوم نجاحها.
...............

 

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى