تعليق على دراسة العلاج الجيني لمرض فقر الدم المنجلي
9/03/2017

نشرت دورية (The New England Journal of Medicine) في الثاني من مارس لعام ٢٠١٧ نتائج علاج جيني تم في باريس لمريض مصاب بمرض فقر الدم المنجلي ولاهتمام المرضى وذويهم بهذه الدراسة وبشائرها ارتأيت كتابة هذه المقالة القصيرة لتوضيح أهمية هذه الدراسة والتقنيات المستخدمة فيها بالإضافة إلى فعاليتها في علاج مرض فقر الدم المنجلي.

مرض فقر الدم المنجلي هو مرض وراثي ناتج عن طفرة جينية في الجين المسؤول عن إنتاج أحد أنواع الجلوبين (من مكونات الهيموجلوبين المسؤول عن حمل الأكسجين في كريات الدم الحمراء). هذه الطفرة الجينية تؤدي إلى إنتاج جلوبين سهل التكتل ما يؤدي إلى قلة مرونة خلايا الدم الحمراء التي تحتويه وسهولة تكسرها.

معظم العلاجات المتوفرة حالياً للمرضى تعالج أعراض هذا المرض ولكن يستمر إنتاج الجلوبين المعطوب لأن الجين المسؤول عنه ما زال في خلايا الدم ينسخ وينتقل بانقسامها. أحد الحلول لهذه المعضلة هو استبدال هذه الخلايا بخلايا أخرى تحمل جينات سليمة بعملية تسمى زرع النخاع. في هذه العملية يتم استبدال خلايا الدم الجذعية (وهي الخلايا التي تتكون منها كريات الدم الحمراء) بأخرى سليمة مأخوذة من شخص غير مصاب إلا أن هناك مشكلة أخرى تنتج عن هذه العملية وهي رفض الجسم للخلايا كونها خلايا غريبة على الجسم وهذا سبب تعذر هذا العلاج في كثير من الحالات حتى إذا كان المتبرع بهذه الخلايا أحد الإخوة أو الوالدين. ولتفادي هذه المشكلة قام الأطباء في السنوات الأخيرة بتجارب تؤخذ فيها خلايا الدم الجذعية التابعة للمريض وتعديل الجين فيها ثم إعادتها للمريض نفسه عن طريق عملية زرع النخاع. ينتج عن هذه العملية استبدال نسبة معينة من الجين المصاب بآخر سليم.

في الدراسة موضوع هذه المقالة قام الأطباء بسحب خلايا الدم الجذعية لمريض وإضافة نسخة من جين سليم إلى جانب النسخة المعطوبة ثم إعادتها للمريض نفسه. بعد مراقبة هذا المريض لمدة أكثر من سنة وجد الأطباء أن نصف كمية الهيموجلوبين تقريباً أصبحت سليمة كما قلَّت نسبة تكتل الجلوبين وبالتالي قلَّ تكسر الدم إلى نسبة مقاربة للتي في أم المريض التي تحمل نسخة واحدة من الجين المعطوب مقارنة بكلا النسختين في حالة المريض وقد استغنى المريض عن نقل الدم وعن أي علاج آخر كان يأخذه قبل العملية كما أنه لم يعاني من أعراض المرض طيلة هذه الفترة.

رغم أن هذه الدراسة ما زالت في طور البحث إلا أن نتائجها تبشر بدخولها مراحلها النهائية قبل أن تُعتمد هذه الطريقة كعلاج على نطاق واسع. قبل الوصول إلى هذه المرحلة يجب أن يتأكد الأطباء من فعالية هذا العلاج لمدة أطول وعلى عدد أكبر من المرضى وخلوه من أعراض جانبية تطغى على فوائد العلاج نفسه.

الجدير بالذكر أن هناك عدة دراسات أخرى مشابهة تُقام حالياً بالتوازي باستخدام تقنيات حديثة لهذا المرض وغيره من أمراض الدم (تم علاج أول مريض بالثالاسيميا بتقنية مشابهة عام ٢٠٠٨). هذه الكثافة في الدراسات هي نتيجة للطفرة الكبيرة التي حصلت في مجال الخلايا الجذعية خلال العشر سنوات الماضية بالإضافة إلى تطور تقنيات التعديل الجيني التي من شأنها إحداث ثورة في علاج عدة أمراض وراثية وغير وراثية حيث تمكن العلماء من إنتاج خلايا جذعية أساسية من عينة صغيرة من جلد المريض بعد مكاثرة هذه الخلايا الجذعية يُبدل فيها الجين المصاب بآخر سليم ثم يتم تحويلها إلى خلايا متخصصة كخلايا الدم أو خلايا عصبية وغيرها من أنواع الخلايا لكي تُستخدم في علاج عدة أمراض. هذا التحول الكبير في علم الوراثة والخلايا الجذعية يبشر بعلاج الكثير من الأمراض ومن ضمنها أمراض الدم الوراثية في السنوات القليلة القادمة بإذن الله.

د. عمرو آل سيف
باحث في علم الوراثة
 

التعليقات 1
إضافة تعليق
مواضيع اخرى