استميحك عطرا يا قطيف - غالية محروس المحروس
20/09/2019

بنت القطيف : غالية محروس المحروس


أجمل صباح وهو يبدأ بفجر يعلو فيه صوت المؤذن الله اكبر,وأجمل صباح عندما نقطع المسافات فنجد إن كل الطرق تؤدي إلى القطيف, وأجمل تحية موشاة برحيل الليل, حيث أبدأ صباحي هذا بماء الورد, منذ الصباح الباكر وحتى هذه اللحظة وأنا لا أدري لماذا اخترت عدم النوم لأنتقل بين حروفي وسطوري, فالليل يوشك أن ينتصف والنور الأغر يوشك أن يطوي صفحته, ولهذا سيكون من الممتع أن تكون أنت قارئي أو أنا أكون كاتبك في اللحظات الأخيرة أحسبوها كما تشاءون, بوح أم تجليات قلب ولعل النجوم تحملها لتضيء فيها مدارات البوح, رغم بحتي علقت بمسامات صوتي إلا إن اعتقادي التواصل مع القارئ يضيف إبداعا للنص باعتبار إن الكاتب واحد من أهم شهود الحياة, ومن دون صوته سيضيع الكثير من الصدق الإنساني على الأجيال,ولا يهم مع أي جيل أنا الآن.

أعذروني فعندما أكتب لا أضع أي محذور أمامي, بل أكتب ما أريده وبالشكل الذي أريده أيضا, أقلق عندما أسأل نفسي ماذا لو لم أعد قادرة على الكتابة؟ وأبقى في حيرة من أمري وأعيد وأكرر السؤال على نفسي هل صحيح أنا غير قادرة أن أكتب عن حبيبتي القطيف؟ أوشكت أن أعلن العصيان على الكتابة لظروف ارتباطي هنا وهناك, وفجأة لملمت ذاتي ورسمت بقلمي ابتسامة على وجهي وأنهيت اعتصامي, وهكذا عودتني القطيف أن أمنحها دمي وحبري لأنها قدري وفخري بل وعمري, رغم إن اعتقادي الصمت سيد البلاغة, لقد مرٌت فترة تراني احلم أم إن الصمت أثقل إحساسي, بمرور الوقت وأنساني حلاوة اللقاء ربما تهرب مني اللحظات المنفردة وتتلاشى الساعات السعيدة, سأحرص دون إضاعة السطور هنا إذ لم يتبقى للجمال مساحة,هذا السؤال لا أطلب الإجابة عنه لكي لا تفارقني نشوته!

لم تكن في بالي فكرة محددة حينما بدأت كتابة نصي الذي أعتبره قهوة الصباح, سوى أصداء حلم من الليلة قبل الماضية وتأثرت حيث لم أجد مفردة ما, حيث لمست لقطة صادقة في حلمي فحاولت تحويلها إلى فكرة أدبية, وما زلت متوقفة عند مفردة معينة, لعلني أرتاح لفكرة ما وأتيه هائمة على وجهي في مغارة الحروف,فسرب مفرداتي تخدعني مهما حاولت الإمساك بها, فكتابتي لا تقتنع بإشارة خجولة أو هذيان قارئ, حيث يقف الحرف على نفسه عندما يكون الحديث عن القطيف, وهكذا أتيه في سراب فلا أتفاجئ عندما أجد نفسي تتخبط في متاهات مدهشة.

منذ أيام ازدادت تساؤلاتي وترنح نقاش مع نفسي ولم أستطيع الغفو بصورة جيدة, وأنا أكتب أحاول أن أحضر نفسي بما سأكتبه حيث لا أعرف التوقف, رغم إن البعض يهمس عن سر انقطاعي في الفترة الأخيرة, بأني جازفت فرفعت قيمة نصي خشية إنه لم يعد يقرأني قارئ, وكم هي لحظات الذهول استشارتها كلماتي في نفس القارئ لو حل الليل في نصي, حيث أجد فيه تجردا ولكنه بالفعل صادق حد الصراخ.

تنفستُ الصعداء وزفرتُ وارتشفتُ قهوتي بنفس جديد, ورجوت قلبي أن أعيد المسافة من أولها وأجدني أداري تيهي البهي, إنني هنا كمن يفتش عن قلمه وهو في يده فمضيتُ أضحك حتى بردت قهوتي,وهنا هل تسمح لي بأن أتخذ هذا الألق مسبحتي, كيف لا وخرزاتها حكمة وقيمة, مدركة تماما إن الكاتب مخبوء تحت قلمه إلا حينما يعشق فلا يستطيع حينها الاختباء طويلا, لن نكره قلبا ونحبُ نبضاته إلا إذا أنكر القلب نفسه صداها, إلى حيث لا ينتهي القلب أعبر إلى حب أبيض يسكن روحي, وأصافح إحساسي بلا أيادي ولا عجب لو أتهجى ملامحي في رمال القطيف.

سأل العصفور صديقه الشاعر يوما:لماذا تر يد أن تموت على شجرتي, فرد عليه الشاعر لتعيش روحي في حنجرتك, وجاء أحدهم في المنام هدهد يمشي على مهل, فقال له ما بك؟ فقال الهدهد: ما بك أنت؟ أغادرت مدينة الحب؟ وهكذا ديدني مع قطيف الحب’ فأنا بعيدة عن مقاييس التحفظ وفي حضرة أجمل ما يمكن أن ترتعش له الروح إذ تغتسل برشة عطر الطهر, وتبهرني المراهنة على أن أكون كما أنا بلا رتوش وأسرار تعلن أكثر ما تريد إخفائه.

بما إن حب القطيف الأم لا يعترف بالتجزئة ولا يقبل القسمة على أثنين, فقد صهرتهما في بوتقة نصي فباتا واحدا وما يجمعهما هو الفجر المرتقب, في تراثنا: إن النفس أمارة بالسوء ولكني أقول إن النفس أمارة بالضوء, وبدون أسباب أطير من الفرح وبلا أجنحة, هنا لا يمكنني الوجع والقهر معاذ الحب والاحترام, إنما: قد وقد وعسى ولعل! ويا قطيف العطر أشكر قلبك وهو يعبر عن نبله كل مرة, وما هذا إلا لحرارة مشاعرك يا قطيف الورد, آه كم أنت جميلة يا قطيف العز أستنشق حبك حتى النخاع, وتطعميني برائحة جوك على سطح الليل المخملي, يا سيدة البلدان بحجم الكون أنت دعيني أصافحك مصافحة لا تنفذ حرارتها ووهجها, تستهويني القطيف وكما يستهويني رضاءها عني, فلن أتنازل عنك وإن كانت الطيور مستعدة أن تتنازل عن حقها في الطيران.

حب القطيف لا زال مسكونا بقلبي فله قدرة على التميز, وجميل أن تعيش هذا الجمال, أمنيتي أن أصمم علم خاص للقطيف دون خدش دون جرح, بل بفخر وأقول قطيفية أنا, أعذروني لانحيازي ولانتمائي الصارخ للقطيف والأجمل ذاك الطقس لا يشابه أية مدينة في العالم, بنخيلها وطيورها وأسماكها ورمالها, ومن هنا أرادت حروفي أن تمجد القطيف وهي من سكنت أصابعي, أليس من الإجحاف ألا ترافق القطيف مشاعري.

عشقي لقطيفي ليس وهما هاهو ذا يسكنني أكاد أجزم بأنني خلقت فقط من أجل أن أحتضن ارض القطيف,لم ينته حبي بعد, لكنني بحاجة لعشرات السطور لاستقراء كل شيء هنا, إني على يقين بأن الذوبان في الوطن القطيف عذاب جميل وليس لي إلا جميل العذاب, أحلم بقطيف تضم كل جمال خلق الله, كتبت للقطيف ولا زلت أكتب لها وعنها حتى مزقتني الكتابة, وأحيانا همس تقطيعه حيث تلمست الورد والعطر لأشمك وبكيت لأمطرك يا قطيف الخير, هناك مقولة راسخة تقول: أكذبه أعذبه ومن هنا العذوبة وهكذا أهيم في كل شبر قطيفي يتاح لي.

همسة: إذا سألوك عني يوما يا قلمي قل: أحب القطيف.


التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى