لك بقلبي مسجداً ........ اشتياق ال سيف
1/04/2020

 لك بقلبي مسجداً

بقلم / اشتياق ال سيف

---------------------------------------

حين بدأت أزمة الكورونا العالمية كان لكل إنسان طريقته في التعبير عن تداعياتها و آثارها النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية على نفسه . فما بين خائف من الإصابة بالمرض يكاد يخرج من جلده هلعاًَ قد وضع نصب عينيه جميع الاجراءات الاحترازية للوقاية و التزم بكل الأنظمة التي فرضتها الجهات الحكومية لحماية الناس ، و آخر أذهله التباعد الاجتماعي لأنه لم يألف الوحدة فرزقه قائم على الاختلاط و التعامل اليومي مع الناس مباشرةً فتراه يختلس الأسباب التي تلزمه للخروج. اما النساء فقد ضجت من إمتلاء البيت بكل افراد العائلة الذين لم تعتاد وجودهم الا في اوقات النوم و ربما وجبة واحدة في اليوم و تحول الحال إلى مرابطة دائمة في المنزل و قد لا يحسن الذكور استثَمارها لان عالمهم خارج البيت هو روتينهم اليومي.. أما الصبايا من فتيات القرية فقد أصبح الجلوس في المنزل صعباً احتكر حريتهَن بعد أن كن يستمتعن بأوقاتهن مابين المدرسة و المقاهي و مراكز التسوق و هي متعتهن الكبرى و لا أنسى تجربة القيادة التي اصبحت مادة أحاديثهن و محل التباهي و عنوان الفخر.

ماذا عنا نحن ؟ فئة من البشر خلقنا الله بعاهة سببت لنا نقص عقلي او جسمي او تأخر في الإدراك او مستوى النمو. لكننا يمكن أن نواصل حياتنا بها.

في نظر اكثرية المجتمعات نحن معاقون و يسمينا المثقفون تادباً
بذوي الاحتياجات الخاصة.. أما أولئك الذين ينشرون الطاقة الإيجابية و يطلق عليهم صناع الأمل فيضعون لنا بطاقة ذوي الهمم العالية و من هذا المسمى يتعاملون معنا برقى و إنسانية و يحاولون بشتى الأساليب التدريبية و العلمية ان يصلون بنا لمستويات عالية نحقق من خلالها إنجازات عظيمة أهمها تجاوز الإعاقة و بدء الإنطلاقة لمستقبل ملؤه القوة يشرق بالطموح و تخطي الصعاب..

قلة من الناس تدرك ذلك الشغف الذي يسكن قلوبنا و يخلق لنا جسراً روحياَ يوصلنا للسماء.. ربما لا نستطيع أن نلهج بالدعاء بشكل مفهوم أو نقرأ القرآن بتأمل و تدبر لكننا نعشق المسجد و نحب الله و نرى في رحابه تجليات لا يراها الآخرون..
كنت أبكي كثيراَ عند بدء مرحلة الحجر المنزلي فلم يعد والدي يصلي في المسجد.. كنت اخشى ان يكون ربي الذي احبه قد غضب علينا فاغلق باب بيته عنا و لكننا نحبه و ان كان بعض الجيران يغضبونه باختلاف تصرفاتهم لكني لا أفعل مالا يحبه لأنني تعلمت من والدي ان من يحب أحداً لابد أن يرضيه و يطيعه..
كانت والدتي تخشى ان اغافلها و اغادر المنزل الى المسجد فأخالف النظام و أعرضهم للمساءلة لأنني لا احسب مسؤولاً عن سلوكي لقلة إدراكي لأي مخالفة لكنني افتقد ذلك المكان الطاهر الذي أشعر فيه بالراحة و تغمرني الطمأنينة حين اكون جزء من ذلك الصف الذي يستقبل القبلة ليؤدي فرضه بكل خشوع..
غافلت والدتي و تواريت عن نظرها و في ازقة قريتي الصغيرة اختفيت لأصل بعد وقت قصير لباب مسجدها مهرولاً فأحتضن بوابته و كأنها حضن امي الدافئ أو حصناً
أشعر معه بالأمان في أحضان ابي.. بكيت مشدوهاً لإغلاقه حتى كأني لم ابكِ في حياتي.. تناثرت دموعي كمسحبة احد المصلين انفرط عقدها و ضاعت حباتها في كل َمكان..
أوجعني شعوري باني احب الله و أريد أن اترجم حبي له كما اعتدته دائماً. هدات روحي قليلاً حين وضعت يدي على قلبي لأنني وجدت ما فقدته. لله في قلبي مسجداَ لأنه تربع على عرش ذلك القلب الذي احياه بحبه و لسوف يظل عامراَ بحبه ما حييت.. قلبي هو مسجدي الصغير و سأبقى أناجي محبوبي فيه حتى تنقشع هذه الغمة و تعود الحياة كما كانت جميلة و ُُيفتح الله بيته الكبير و نصلي فيه و تعود تلك الصفوف التي تجمع كل أهالي القرية فيغتسلون من أدران الحياة من ذلك النبع الطهور...
سالقاك عاشقاَ في كل مكان و زمان لأنك دائما بقلبي و انت قبلة روحي..

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى