هَدِيةُ كاثي وذكرى الميلاد .
1/01/2021

حَكَايَا من الديرة العتيقة
هَدِيةُ كاثي وذكرى الميلاد .


حكاية من مجموعة حكايا اخترتها للقراء الأفاضل .

كنّا صغيرات تجمعنا الرفقة الودية في المدرسة والجيرة الطيبة على مدى سنوات قليلة من عمر الطفولة والصِّبا .

صباح رفيقتنا صاحبة الابتسامة العذبة والوجه الأنيس جاءت يوما إلى المدرسة بحلية زينت عنقها
وهي عبارة عن سلسلة ذهبية تدلى منها شكل هندسي من قطعتين مستقيمتين متقاطعتين وبشكل متعامد على بعضهما البعض تقسم إحداهما الأخرى إلى نصفين تقريبا .

ولأول وهلة رأت فيها معلمة المواد الدينية رسمية - عربية من بلاد الشام وبالتحديد من دولة فلسطين - السلسلة مدت يدها إليها وجذبتها ممسكة بها وسألتها باستنكار من أين لكِ هذه ؟! فأجابتها في ذهول : إنها هدية من زوجة أخي .
طلبت منها أن تخلعها فورا
قائلة لها : نحن المسلمين لا نلبس صلبانا .

نعم كانت الحلية الذهبية عبارة عن صليب يرمز للديانة المسيحية تلقتها صباح كهدية من زوجة أخيها الأمريكية كاثي التي كانت مع زوجها وولديهما في زيارة إلى أرض الوطن والأهل والأحباب .
حلية تزينت بها صباح ببساطة شديدة وبجهل منها دون أن تعرف ما ترمز إليه .

تقول صباح : لم أكن أعلم حينها أن هذا الرمز الذي يعد من أقدم الرموز في الحضارة الإنسانية ... يشير إلى نبي الله عيسى عليه السلام ابن البتول مريم العذراء ولم يخبرني أحد بذلك .

ربما لم يعلم الأخ - الذي عاد في زيارة للوطن بعد أن هاجر منذ أن كان يافعا واستقر به المقام في أمريكا - بأمر تلك الهدية .

وقد تكون زوجته أهدت الصغيرة تلك السلسلة عرفانا و تقديرا منها للاهتمام والحفاوة التي حظيت بهما وما نالته من ترحيب وإكرام يليق بها خلال وجودها وإقامتها بين الأسرة .

لا زلت أتذكر تماما تلك السيدة الغربية - بجلبابها العربي الطويل الفضفاض المطرز بالزهور على جانبيه وبكمين طويلين اتسعا عند المعصم - وهي تجوب مع صغيريها حي الديرة العتيق في جزيرة تاروت - الواقعة في الركن الهادئ على ساحل الخليج العربي - مبهورة بمعالمها الأثرية التاريخية متنقلة بين الأزقة والبيوت تتعرف على ساكنيها وطبيعة الحياة الزاخرة فيها وتتأمل الموقع التاريخي الموغل في القدم في وقت كانت الديرة في أوج تألقها في ذاك الزمن ... هو أواخر سبعينيات القرن الماضي .

الذكريات البريئة تسكن أعماق النفس ولا تمحى ويشدنا الحنين إليها .
هذه الذكريات تخلصنا أحيانا من واقعنا المرير وتجعلنا نتشوق للنبش فيها ونندفع إلى رحابها ؛ لتنتشي الروح ببعثها من جديد .

أما عيسى عليه السلام المبشر بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليه - التي استدعت ذكرى ولادته تلك الحكاية في الذهن وسردها - فهو كلمة الله الكونية القدرية فقد قال الله - جلت قدرته وعظمته - لعيسى : كن فكان .
كيفية خلق الله لعيسى (ع)كيفية يعلمها الله وحده وبيده وتضاهي كيفية خلق آدم قال له كن فتكون تكونا بشريا من غيرِ أبٍ .

قال الله جَلَّ ثناؤه :
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }
[آل عمران : 59]

وبتشريف وتكريم من الله جعله نبيا مرسلا للهداية والتنوير ونزهه عن كل ما أُلصِق به من مزاعم .

بدليل قوله عزَّ من قائل :
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا }
[النساء : ١٧١]

عيسى ( ع )ابن السيدة العظيمة والوحيدة التي ورد ذكر اسمها في القرآن الكريم ووصفها الله - عَزَّ وجَلَّ - بأنها المصطفاة على نساء العالمين واجتمع على حبها الناس في المسيحية والإسلام .

( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ )
[آل عمران : ٤٢]

مريم القديسة التي عاشت حياة الزهد والتأمل والصلاة والعبادة منذ طفولتها وأنجبت للبشرية - في معجزة إلهية - رسول المحبة والسلام ... عيسى عليه السلام الذي نؤمن بأنه من أعظم الرسل ونؤمن بميلاده المعجزة ودلائل نبوته ومعجزاته العديدة .

كما نؤمن بأن عيسى (ع ) رفع إلى الله ولم يقتل ولم يصلب كما يزعم النصارى .

{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا }
[النساء : ١٥٧]

هذه الآية كما هو واضح وكما فُسِّرِتْ ... تنفي وقوع ما ادعوه من القتل والصلب عليه فهو لم يتوفَ بأيديهم بل أخذه الله أخذا تاما ورفعه إليه وسلم من قتلهم وصلبهم
وشبه لهم أمره فأخذوا غير المسيح - عليه السلام - مكانه فقتلوه وصلبوه .

للإيمان بكل ما أنزل الله في كتابه الكريم حَلَاوةٌ ولَذَّةٌ لا تضاهى ؛ نستشعرها إن نحن تأملنا وتدبرنا في آياته .

في الطفولة كان الوعي ينقصنا كثيرا .
ولكننا وعينا على إحياء أهالينا - ومازلنا - لذكرى وفاة السيدة مريم أم النبي عيسى - عليهما السلام - في الخامس والعشرين من شهر صفر من كل عام ؛ تمجيدا لمكانتها العظيمة وعلو شأنها ومنزلتها عند الله .

هي ذي ساعات الرحيل لعام 2020م قد دَنَتْ ... ىسنودع فيها ما انصرم من أيامنا وليالينا ستمضي هذه السنة العجيبة بكل ما مر فيها من أفراح وأتراح وآلام وويلات ... فليكن لنا فيها مواعظ وعبر .
وستهل ساعة الولادة لسنة جديدة رزقنا الله وإياكم خيرها وخير مافيها فليكن لنا فيها عزم وإصرار على تلافي الأخطاء والعمل بجد وجهد لتحقيق كل ما تصبوا إليه النفوس وتحقيق ما لم يتحقق من الآمال والأحلام بإذنه تعالى .

فإن أردنا استئصال القنوط من أعماقنا وإحياء ذكرى الميلاد واستقبال العام المقبل بابتهاج وفرح ؛ علينا أن نستذكر سيرة النبي المرسل عيسى ( ع ) وأخلاقه العظيمة وأدبه وتربيته للأمة .

وأن نكون أشد قربا إلى الله وتمسكا بأوامره ، واجتنابا لنواهيه بالأفعال لا الأقوال فقط ... كما أراد لنا الأنبياء والمرسلون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

فتحية القطري



... 
 

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى