النصائح الاقتصادية مجهولة المصدر بين «الحلطمة» واللمز!
29/12/2016
د. إحسان بوحليقة

تنتشر في واتسآب تحديداً العديد من الرسائل المجهولة المصدر تتناول الشأن الاقتصادي بإرجاف. وأقول بإرجاف لسبب واحد فقط وهي أنها غاية في السوداوية وليس معروفا صاحبها لكنها تلعب على أوتار الإحباط والعوز وتخلط الشأن السياسي بالديني بالاقتصادي خلطاً عاطفياً فيه كمية من القنوط وانعدام الأمل كل ذلك دون أن يذكر الناصح صاحب الرسالة اسمه. إن كان يتحدث الناصح المجهول عن الألم فهو أمر متفق عليه شعبياً ورسمياً. إذاً أين الإضافة الخطيرة التي يريد الناصح الخفي أن يقدمها للناس؟ ولم لا يظهر للعلن حتى نعرف ما تخصصه وخبرته الحياتية والعملية والعلمية وحتى يكون بوسع الناس الاستيضاح منه عن بعض القضايا والتفاصيل والاستزادة إن رغبوا؟

مهم إدراك أن خلط الأمور يؤدي إلى أفكار مشوهة كونها مرتبكة. ثم خلط الاقتصاد بالعواطف يؤذي الاثنين فاقتصادياً عليك أن تكون منطقياً تسعى لتعظيم العائد وخفض التكلفة في حين أنك عاطفياً تتعامل بدوافع تتصل بالوشائج الإنسانية أكثر من أي شيء آخر فمن أجل تلك الوشائج قد تدفع المال وتبذل الوقت والجهد دون كثير اهتمام بالتكلفة!

بيّن الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود–يحفظه الله- في خطابه في مجلس الشورى التحديات المتعددة وأن بعض الإجراءات مؤلم مرحلياً فقال ما نصه: لا يخفى عليكم ما يمر بالعالم من تقلبات اقتصادية شديدة عانت منها معظم الدول وأدت إلى ضعف بالنمو وانخفاض في أسعار النفط مما أثر على بلادنا وقد سعت الدولة إلى التعامل مع هذه المتغيرات بما لا يؤثر على ما تتطلع إلى تحقيقه من أهداف وذلك من خلال اتخاذ إجراءات بعضها مؤلم مرحلياً ورغم ذلك حافظ اقتصادنا– بفضل الله– على متانته وقوته وقد وجهنا بعدة إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية شاملة منها رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي ورفع كفاءة الإنفاق التشغيلي في الدولة والعمل على الاستفادة المثلى من الإيرادات وكذلك اتخاذ مجموعة من السياسات والإجراءات الرامية إلى تحقيق إصلاحات هيكلية واسعة في الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد فقط على البترول وإعطاء الأولوية للاستثمار في المشاريع والبرامج التنموية التي تخدم المواطن بشكل مباشر...

في هذا السياق لعل من المفيد التوقف قليلاً عند تجربتنا وطفرتنا الاقتصادية الأولى التي مولتها الفوائض النفطية ووجهتها رغبة الحكومة لتحقيق نقلة معيشية ولتنويع البنية الاقتصادية. وارتكازاً على النتائج خلال الفترة 1970-2000 قفز الاقتصاد السعودي ليصبح الاقتصاد العربي الأول ولا يزال وضمن أكثر اقتصادات المنطقة العربية حيوية ولا يزال.

وعلينا هنا استذكار أن عوائق جسيمةً حدت خلال حقب حرجة من جاذبية المناخ الاقتصادي للمنطقة وكان لهذا انعكاسات سلبية كابحة ومع ذلك واصل الاقتصاد السعودي مشواره في طريق وعرة. ووظفت الحكومة الإيرادات النفطية الكبيرة في الألفية الثانية لتعزيز متانة المالية العامة ابتداء بسداد الديون وبناء الاحتياطيات وتوسيع وتحديث البنية التحتية بتكلفة تجاوزت 1.5 تريليون ريال.

والآن نحن أمام مسار صعب ينطوي على تحد حقيقي يتصل بقدرتنا على التكيف معيشياً من جهة وتعزيز متانة البناء الاقتصادي في ذات الوقت؛ حتى لا تبقى قواعده قائمة على ريع لعقود قادمة وحتى لا يكون ليس لنا لا حول ولا قوة إلا أن ننفق الاحتياطيات ونقعد به. الطريق أمامنا أن نقوي الذات بالادخار والترشيد وتحسين الأداء. كيفما نظرت للأمر فليس من ضمن الخيارات المتاحة أن نستمر في ممارسة الهدر وهذا ينطبق على الحكومة والقطاع الخاص والمواطنين فالجميع في مركب واحد لا شك.

وهكذا فإن الارجاف الاقتصادي أمر ليس مفيدا البتة. فليس سراً أننا سنعاني جميعاً كأفراد وكأسر وكقطاع خاص وكحكومة وليس سراً أن التحدي الأول هو القضاء على الفساد والهدر والمحسوبية وتعزيز النزاهة والترشيد والشفافية والمحاسبة. والتحدي الثاني أن ندرك جميعاً أن النموذج الاقتصادي الذي كان سائداً على مدى نصف القرن الماضي القائم على رعاية إيرادات النفط لنا جميعاً يحل محله الآن نموذج اقتصادي يقوم على كل يحمل وزنه ومن لا يستطيع لعوز أو عجز فالمجتمع سيتكفل بمساعدته عبر برنامج للدعم الموجه.

أساسي استيعاب فكرة كل يحمل وزنه وهي تعني أن التكلفة ستتصاعد إجمالاً باعتبار أن تكلفة المنافع ستكون بأسعار السوق الدولية. لكن من جانب آخر على كل منا إدراك أن فرصا جديدة ستولد؛ لماذا لأن الترتيبات الجديدة ستجعل توظيف المواطن أكثر جاذبية كما أن الترتيبات الجديدة ونتيجة لارتفاع التكاليف على الوافدين ستخرج شريحة من المتستر عليهم ليبيعوا أعمالهم للتخلص من التكلفة من الجهة والمراقبة على تحويلاتهم النقدية العالية!

إذاً الخيار لكلٍ منا إما أن ينظر للزيادة في التكلفة وفقط التكلفة أو ينظر كذلك للفرص المتاحة أمامه. وعلى فكرة فهذه الفرص لن تنط لحضنك عليك أن تبذل جهدا فتخرج لقنصها. وإن كنت موظفاً وتقول إنهم خصموا علي وقل دخلي وتستطيع أن تجد فرصة وظيفية أفضل فتدبر الأمر أيهما أفضل أن تبقى حيث أنت وتتحمل أم تنضم لوظيفة أخرى.

الوقت الآن هو وقت أن نفكر في الفرص التي أمامنا مشاريع صغيرة ومتوسطة وأفكار إبداعية يحل بها السعوديون محل التستر. هذه ليست تصريفة فهل تعلم أن الاقتصاد المخادع التستر تقدر قيمته بحوالي 600 مليار ريال سنوياً؟! كل ما أحاول قوله: بالقطع نشعر بالضغط –بدرجات متفاوتة- نتيجة لارتفاع تكاليف المنافع وعلينا كأفراد وأسر الاستعداد لذلك لكن علينا كذلك ألا نسقط فريسة لذلك بل التفكر في كيف سنزيد دخلنا.

مؤخراً أخذني من وسط الرياض للمطار شاب مواطن يتعاون مع أوبر سألته كيف المكسب؟ قال: ممتاز وأخبرني أنه فني في احدى الشركات الكبرى وأنه يعمل مع أوبر في الساعات خارج دوامه وأن دخله من أوبر يغطي مصاريف الأسرة الشهرية أما راتبه فيدخره وقد اشترى السيارة بقرض وأن هذا الشهر يسدد القسط الأخير! قصة بسيطة لكن تبين أن خيار التكيف مع المستجدات أمر يتعلق بنا؛ فمنا من يكتفي بأن يتألم ويتحلطم ومنا من يتألم ويتحلطم ويبحث عن حل.

وليس من شك أن البلد بحاجة للمزيد من أبنائها ليخرجوا ويقتنصوا الفرص بروح عالية من التحدي فنحن بذلك لا نزيد من مدخولنا الشخصي فقط ونقدم الأفضل لأسرنا بل كذلك نساهم في تقوية اقتصادنا الوطني من حيث إن يعتمد بوتائر متصاعدة على أبنائه وبناته. وهنا علينا تذكر أن التكلفة هائلة على الاقتصاد وميزان مدفوعاته أن نستقدم بدون داع وأن نستهلك أكثر من الحاجة وأن نستورد بدون داع. والتكلفة تتضاعف بألا نعتمد على أنفسنا ونحن قادرون على ذلك وألا نتاجر ونبيع ونشتري ونصنع ونبدع ونحن نستطيع ذلك إذ إننا نهدر ما لدينا وندفع تكلفة لنستأجر من يقوم بالعمل. تكلفة مضاعفة!


 
التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى