ما يقوله الآخر
19/05/2017
السيد فاضل علوي آل دروش

في حواراتنا و جلسات تبادل الآراء نقع في خطأ كبير يشكل حاجزا أمام تقارب الأفكار و الانسجام مع تصورات الآخرين ، و ذلك أننا نهيمن و نسيطر على مجريات الحديث و نسوقه نحو قناعاتنا و تصوراتنا ، دون أن نفسح المجال للغير بأن يبدوا وجهات نظرهم و نستمع لها ، و من ثم ينهض الحوار على أساس الرأي و الرأي الآخر ، فتتكشف بعض النقاط الخلافية و التي تناقش على أساس البرهنة و الاستنطاق لواقع أو مستند يؤيدها أو يفندها ، بل يكون الحضور الأوحدي لنا لندع الآخر يؤدي دور المتفرج و المنصت فقط .

كل إنسان عنده من المدركات العقلية ما تسعفه في فهم الوقائع و المفاهيم و تحليل الأحداث و الظواهر بنسبة معينة ، و تتعزز تلك المقدرة عندما تدعمها الخبرات و التجارب ، و مجالسة العقلاء الراشدين و ممارسة العصف الذهني و التلاقح الفكري مع رؤاهم تكامل عقل الإنسان و تجلي عنه غياهب الجهل و الغفلة ، و بالطبع فإن الفروق الفردية و تفاوت القدرات و المهارات لا يعني أبدا إلغاء الآخر و إخفاء وجوده في حلقات النقاش ، فكما أننا نتعلم فن الحديث و أصوله و مهارات الخطاب و الحوار ، فعلينا تعلم أهم دروس العلاقات الاجتماعية و هو فن الإنصات و الاستماع لما يقوله الآخر ، فالتباين الثقافي و المعرفي يدعو لتصفح عقول الآخرين و معرفة ما يدور بها مهما كنت تملك من مستويات عالية من الدراسات و القراءات و الاطلاعات المتنوعة .
تتعدد العوامل المؤدية إلى صم آذاننا عن استماع الرأي الآخر ، و ما نركز عليه هنا هو حالة الشعور بالتميز و التفوق على الآخر في القدرة على فهم و تحليل الأمور ، و تطبيق التصورات على مصاديقها و عقد المقارنات بين الأحداث و المواقف و غيرها ، فيرى في هذا السمو المعلوماتي دافعا نحو إبقاء منصة الحديث بيده فقط ، فما الذي يمكنه أن يضيفه لرصيده المعرفي من هو أقل منه في مخزونه و خبراته ؟!!

فمهما بلغت من النضج و الرشد و حنكتك التجارب و المواقف التي أفادتك الخبرات و المهارات المتنوعة ، فإن هذا لا يعني أنك وصلت لدرجة الارتواء المعرفي و السلوكي ، بل عليك فتح باب الإنصات أكثر و أكثر لتتعرف على أفكار و رؤى الآخرين ، و لا تتعجل البث و النطق بالحكم و القرار على أي موقف قبل أن تسمع ممن تجالسه وجهة نظره ، فلعله أشار إلى جهة و جنبة غفلت عنها و لم تلق لها بالا فتنير عقلك .

يمكننا تكوين عقل جمعي نافذ البصيرة من خلال إفساح المجال لتلاقي الأفكار و الاطلاع على ما يحمله الآخرون من وجهات نظر ، فتتكامل و تنضج الرؤى السديدة و يستفيد كل واحد مما يفكر به غيره ، و أما العجب بالنفس فسيقود المرء إلى الخسران بإغلاقه لباب معرفة مهم يوسع مداركه الفكرية .



 
التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى