لمحات رمضانية
20/05/2017
غالية محروس المحروس

الله أكبر ما أسعدها من أوقات وما أجملها من لحظات,إنها لحظات التأمل ومكاشفة الذات, تتيح للمرء فرصة التعرف على أخطائه ونقاط ضعفه, وتدفعه لتطوير ذاته نحو الأفضل, فثمرات المحاسبة إصلاح الذات إنها انطلاقة روحانية إيمانية رمضانية, قال الله تعالى: {ياأيها الَّذين آمَنُوا كُتِبَ عليكمُ الصِّيام كما كُتِبَ على الَّذين من قَبلكُم لعلَّكُم تَتَّقُون) صدق الله العظيم.

وبعشق الحرف المتوهج لحظة تعتريني حالة من السكون وأنا أكتب عن شهر الله, أوشك شهر شعبان على الرحيل وها نحن نستعد باستقبال شهر القرآن و النور والخير والبركة, والذي تجلت فيه أنوار الحق والعدل والمساواة, وعلينا أن نحسن القيام بواجب الاحتفاء به.

غرة رمضان في يوم السبت الأغر وختامه يوم رمضاني أغر نور على نور, حقك علينا يا رمضان أن نرحب بك ضيفا كريما, خيرات تتسابق ويا رمضان حسنات تتضاعف, وعلينا أن نفرح بحلولك نمضي مع نهارك بالصوم والعبادة وليلك بالدعاء والرجاء, مرحبا بك وبترك الطعام والشراب من أجل عبادتك, مرحبا بك يا رمضان لقد أتيت في موعدك, لقد جئت ونحن بأمس الحاجة إليك,يا رمضان قد اقتربت وقلبي يحدوه الشوق, وتسألنا بعد مضي عام عليك هل ما زلنا كما كنا معك في العام المنصرم,آه من شوق قلبي إليك يا رمضان وآه من تفريطنا سنة تلو سنة.

كل سنة يطل علينا الشهر المبارك ليعيد بخصوصيته وإيقاعاته الروحية شيئا من التواصل والحميمة, ويكسر إلى حد ما إيقاع الرتابة التي نعاني منها في حياتنا طول العام.

اللهم بلغنا رمضان, منذ صغري وأنا أعشقك يا رمضان أشتاق لروح الإيمان الذي ينبض في قلبي, حيث تقبل علينا بجوك الروحاني الذي ينبثق من ذلك الهلال الرشيق, رمضان كم تهفو نفسي إلى لقائك وكم أتمنى أن تعانق روحي أنفاسك,رب ألهمني القوة لأنسى بها فتن الدنيا, فكل شيء ملأن والقلوب بالذنوب مليئة.

مع قدومك يا شهرنا العظيم بدأت تلوح نسمات السعادة لك في قلوبنا, بصمات مليئة بالإيمان, أتيت يا رمضان وستأتي دون هروب, أنت وفي لا تخون نعم معك صوت الحرية لتعيد الناس لله, في دقائق الغروب جلسة إيمانية وتفرغ كلي مع النفس لا الجسد, لحظة كنت أسابق النسمات عند آذان المغرب وقلبي يلهج وأنا واقفة أمام الله, لأصلي قائلة اللهم أني أقبلت عليك فا أقبلني وتقبل مني اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد وأفتح لي أبواب رحمتك, أقف بخشوع مستشعرة جلال الموقف وعظمة المعبود -جل جلاله- فتسري السكينة في جوارحي وتستقر نفسي وأتحرر من أثقال كثيرة أعيت روحي على عتبات السجود.

رمضان يا قرة عين المؤمنين, من خلالك نبصر الخير ونستنشق ريح الجنة’ وتملأ نفوسنا بغفران الله لنا واستغفار ملائكته, تسعدنا كثيرا ونشتاق زخم تواجدك بيننا ونشتاق حاجتنا إلى زادك, وتزويدك لنا بمعاني التسامح والمحبة والصبر, باستقبالنا رمضان نجدد العهد مع الله أن نكون إليه أقرب وإلى ديننا أوفى.

الله أكبر ما أسعدها من أوقات وما أجملها من لحظات,إنها لحظات التأمل ومكاشفة الذات, تتيح للمرء فرصة التعرف على أخطائه ونقاط ضعفه, وتدفعه لتطوير ذاته نحو الأفضل, فثمرات المحاسبة إصلاح الذات إنها انطلاقة روحانية إيمانية رمضانية, تستعلي فيها الروح على مطالب الجسد, كم من دمعة سكبت ؟ وكم من سجدة رفعت ؟وكم من درجة كتبت؟ إنها الشحنة الإيمانية هذا هو رمضان فحلوا القيود فيه من قلوبكم.

حقا لا يوجد شهر آخر يماثل الشهر الكريم, وهو خير مناسبة للارتقاء بالأداء الاجتماعي للمسلم ولتصفية كل الخلافات الاجتماعية, لنعتبره الشهر الأخير لنا في الوجود, وإن عملنا فيه هو الأخير والوحيد أيضا الذي يوصلنا إلى الجنة, لنبذل به كل جهدنا وطاقتنا لننال التوبة والمغفرة ومن ثم الجنة, وبعيد عن المعنى الديني هو جزء من ثقافتنا وتراثنا, رمضان بصمة لا يمحوها الزمن.

مساء رمضاني عظيم, أقف هنا وأتذكر أيام رمضان الطفولة المليئة والغنية بالذكريات, التي لم ولن تمحى أو تنسى من ذاكرتي فتبقى محفورة ومنقوشة صعب نسيانها , حيث إن الذكريات ظل وظليل نستريح تحته من هجير الدنيا ونلوذ بجماله من تعب الحياة , يا إلهي لقد عادت بي الذكريات سنوات للوراء, ولكل رمضان ذكرياته المنفردة والمدهشة في أحيان كثيرة, هو دائما من يحمل ويملك الرصيد الأكبر من الذكريات الرمضانية الرائعة البريئة التي تشع بياضا, وحتما من سنة لأخرى تتنوع الذكريات وتتغير النفوس.

هناك شخصيات تركت في نفوسنا الأثر الملموس كمربين أفاضل, وهنا تذكرت الشيخ المرحوم علي الطنطاوي رحمه الله يطل علينا كل ليلة على مائدة الإفطار وأيضا برنامج نور وهداية ويروي لنا قصصه النافعة, وتذكرت فوازير رمضان ونفحتها المميزة وتذكرت إني قد فزت بجائزة رمضان الأولى كان يومها حدثا لا ينسى , ويحضرني هذه اللحظة صوت الطبل مع صوت المسحراتي يكون له وقع خاص في نفوسنا وكنت ألمح أطفال الحي يلحقون المسحراتي فرحين بذلك يا لها من براءة وطهارة يفتقدها أطفالنا .

إن رمضان وسيلة للزهد والتقشف وصار علامة التبذير والإسراف وأخذت الموائد تزدان بمأكولات خاصة وكأنه أصبح احتفالية طعامية مادية لا احتفالية ر وحية, يفترض أن نأكل أقل من الأيام العادية لتحقق الرشاقة التي تتمناها كل امرأة ويحقق اللياقة البدنية التي يتمناها كل رجل بالتخلص من الكرش "عفوا" بدلا من أن يزيده.

لقد وصف الأستاذ مصطفى صادق الرفاعي بوصفه أيام الشهر الكريم وكأنها ثلاثون حبة تؤخذ في السنة مرة واحدة لتقوية المعدة وتصفية الدم, ولقد قال: فقر إجباري يراد به إشعار النفس الإنسانية بطريقة عملية واضحة.

أصبحت المرأة تتباهى بصناعة ما لذ وطاب من الأطعمة والحلويات, ونسيت في الوقت نفسه إن هناك أطفالا يتضورون جوعا أو فقراء لم يجدوا ما يفطرون به, رفقا برمضان فرمضان بريء من إسرافكم ومن أفعالكم, رمضان ليس طعاما ولا شرابا بل عبادة وتراحم, إنني أقول لمن صام رمضان إيمانا واحتسابا بارك الله صيامكم وغفر ما تقدم من ذنوبكم, فمن وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله ماذا وجد يا إلهي عفوك.

يا من تقرئون سطوري أطرح عليكم سؤالا: ماذا تبقى من رمضان؟! أصبح شهر للأكل والسهر والمسلسلات, لقد فقدنا روحانيات رمضان وقيمتها, إن رمضان اليوم يختلف تماما عن رمضان الأمس في استقباله حيث نستقبله بالدعايات التلفزيونية والأفلام فينشغل المسلمون بهذا الإعلام عن طاعة الله, لا ألمس غير عيون تشاهد في هذا الشهر المسلسلات الغير هادفة والتي لا تمت بالشهر المقدس بصلة وإن رمضان بريء من هذا العبث واللهو, بينما تتسابق الملائكة لحمل الطاعات للسماء, يا ترى ماذا جرى في عقولنا نحن نجري وراء رغباتنا وأهوائنا وبطوننا, نحن بهذا نلغي البركة عن أنفسنا ونبتعد عن جنتنا, ولو تعلمون ما في رمضان لتمنيتوا أن تكون السنة كلها رمضان.

لقد منح الله تعالى للزمن بعضا من القدسية وأحاط برحمته كل الذين يعيشون في داخله, لأن الزمن لا يختلف في طبيعته عن زمن آخر ولكن الله عز وجل قد يمنح للزمن قيمته وهذا ما منحه سبحانه وتعالى لشهر رمضان لأنه أفضل الشهور عند الله فنحن نتحرك في أفضل الزمن’ وهنا لا يفوتني أن أسألك هل بكيت من خشية الله يوما وخفت فقد حبه سبحانه؟ ماذا ستخسر عند فقدانك حب الله ؟ هل حافظت على حبه بالتوبة والاعتذار؟ هذه فرصتك في شهر التوبة والمغفرة, نحن بحاجة أن نغسل ونطهر قلوبنا جيدا, وأن نصوم عن كل شيء يضر بأخلاقنا وسلوكياتنا, ونستنشق الهواء النقي لنطهر نفوسنا ونكسر قيود الحقد والكراهية,ولننطلق لرمضان جديد نقي نسأل الله القبول.

لنتذكر أولئك الذين كانوا ذات رمضان يملئون دنيتنا ثم غيبتهم الدنيا عنا ورحلوا كالبرق تاركين وراءهم بقايا من الحزن والذكرى, دعونا نغمض أعيننا بعمق ونتذكر القبر وظلمته وعذابه ووحشته, والآن ما رأيك بشعار جميل يناسبك ويبعدك عن عذاب القبر وهو أن لا نسمع ولا نرى ولا نتكلم إلا بما برضي الله لنضمن صيام طاهر وجنة عرضها السموات والأرض.

برفق وخشوع طويت سجادتي واعدة إياها بلقاء روحاني جديد, ياللة عذبة لحظات الطاعة ركعة تليها ركعة وسجدة تليها سجدة,ولا شك أن لشهر رمضان نكهة
خاصة وميزة ذاتية لا يشاركه فيها غيره, شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتقفل فيه أبواب النار.

لقد خطر على بالي أن أحتسي كوبا من القهوة الساخنة, فأعذروني حتى في ليالي رمضان لا أبتعد عن القهوة.

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى