معترك الحياة
23/06/2017
السيد فاضل علوي ال درويش 

يقال أن الحياة مدرسة تهب للإنسان الكثير من التجارب و الدروس و لكنها ليست بالمجانية ، بل هي خلاصة خوض غمار معترك ميدان العمل و نتاج العلاقات الاجتماعية المتنوعة ، فيمر بمواقف يجهل فيها القرار و الاتجاه الصائب الذي يسلكه ؛ لما ينقصه من حنكة و خبرة تنير فكره و تختمر عقله بمجموعة من الخيارات و الاحتمالات ، فمن ليس لديه تجارب في الحياة فهو كالطائر الذي لما ينبت له ريش ليطير .

و تلك القيم و الأنظمة و القوانين التي تسن لضبط الحقوق و العلاقات الإنسانية ليست بسيف مسلط على الرقاب يهابها أو يتخوف من تخطيها جميعا الناس ، فنزعة الشر و الطمع و روح المكر قد تأخذ بالبعض نحو العدوان و نهب الحقوق و التجاوز على شخصية الآخرين ، و هذا ما يعد من الأمور الطبيعية أن يصادف في طريقه محطات يخفق فيها و لا يحالفه النجاح ، و يخسر من الجولات بسبب ملمسه اللين و نفسه الطرية التي لم تصادف مواقف خشنة و تتطلب صلابة و بأسا و شجاعة و حزما ، فتتبلور عنده شيئا فشيئا حصيلة معرفية و مهارية تكامل قدرته على التصرف الحكيم ، كما أنه يمتلك حنكة في التمييز بين الشخصيات و ما يتصف به البعض من لؤم و انتهازية و حقد و مكر ، فأصحاب الأقنعة المزيفة يمكنهم خداع البسطاء بكل سهولة ، و لكن مهمتهم تصعب أو تصبح مستحيلة مع من حنكتهم الحياة و وهبتهم فراسة و حدسا و نظرة مستقبلية تشخيصية متكاملة .

و تلك الحدية التي يبديها البعض تجاه من يخالفون القيم الفاضلة ، و الانشغال بتحليل مواقف الشخصيات الماكرة و المتخاذلة ، تخف مع مرور الأيام بسبب امتلاكه قناعة بأن الناس ليسوا على درجة واحدة في المواقف و تمايزهم الفروق الفردية ، و الأهم من كل ذلك أن يكون واضحا و جادا في مواقفه و أهدافه من علاقاته المتنوعة ؛ لئلا يصاب بصدمة متكررة من غرائب الزمان التي يجود بها أشخاص تحكمهم المصالح ، فيسمع من الكلام و الوعود الشيء الكثير و لكن الأفعال الحميدة و المصداقية قلما تجد مصداقها !!!

كما أنه مع مرور الأيام يمتلك نظرة تسامحية تحل مكان الانتقام و التشفي و الكراهية لمن أساء له أو تعرض له بتجاهل أو انتقاص ، حيث أن تلك المشاعر السلبية تجاه المسيء لن تغير من الواقع شيئا ، و لن تجلب له إلا مزيدا من الهموم و القلق و المتاعب ، و طاقته النفسية المستنزفة حينها تفوت عليه الكثير من الفرص التي ينبغي استثمارها و الاستفادة منها ، فالتصالح مع الذات يقود نحو نظرة وازنة تقود نحو التغافل عن مساويء الغير ، و تمتطي روح التعايش السلمي الهاديء ، و التعاطي مع المواقف التشنجة بهدوء .



 
التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى