لا أخطئ أبدا !!
28/06/2017
السيد فاضل علوي آل درويش 

لا يمكنه أن يقر بوجود خطأ ارتكبه أو اشتباه في فكرة طرحها ، فالخطأ ليس بوارد عنده و لا حظ له في قاموس تصرفاته ، و بالطبع فإنه لن يقبل نقاشا ينتهي بقناعة مفادها أنه مخطيء ، و هذا ينعكس على ذاك المخزون الفكري الذي يستبطنه عقله ، فهذا الركام من الحقائق الزائفة و الأوهام و الأفكار المفتقرة لمستند لها ، لا تلقى محاسبة ذاتية تفرز الغث و المعومات المغلوطة ، مما ينعس عليه سلبا و افتقارا للطرح المقبول و المقنع ، بل يرى مقابلة الناس بالرفض لآرائه بأنه يبرز ضعفا في تفكيرهم أو حسدا له ، و هذا ما يتسلسل به إلى أخطاء متكررة لا يستوعبها و لا يستلهم من الدروس و العبر ، و أنى له بتراجع أو تصحيح و هو لا يكلف نفسه مجرد مراجعة مواقغه و أفكاره ، بل و لا يقبل وسمها بالخطأ أبدا ؟!!

و يأتي دور استعراض العضلات الخبراتية لتعزيز مفهوم الصوابية الدائمة عنده ، حيث يرتكز في ذهنه ما يملكه من مستوى علمي أو خبرة في مدرسة الحياة ترفعه عن مستوى التغليط و التخطئة ، فعنده تراكم معرفي و مهاري يسعفه لاستنطاق داخله المعصوم عن الزلل ، فتجود قريحته بما هو صائب لكبد الحقيقة ، و ما على الغير سوى الاستماع له فقط !

ثقافة البراءة و النزاهة من الوقوع في الخطأ تتعاظم بالنفس تألها و تكبرا و تزمتا ، و تتجه بالفرد نحو الصدود عن استماع الرأي الآخر ، أو القبول بالدخول في عصف ذهني أو حوار مثمر يبحث عن أجود الأفكار و أقربها نحو الإنتاجية و الإثمار و الإفادة ، و ينزع به نحو نرجسية تستصغر الآخرين .
استعظام المرء لنفسه و إعجابه بقدراته العقلية و مهاراته التعاملية هو أهم الأسباب لذاك الوهم المعشعش في ذهنه ، فيترسخ عنده التزمت و الرفض التام للاعتراف بوجود مجرد اشتباه أو خطأ بسيط ، بل يقاتل بكل قواه التبريرية !

التربية السليمة هي التي تدعم و تشجع على تصحيح الأخطاء و تقويم السلوكيات ، فليس من المعيب أبدا أن نكتشف وجودنا في الضفة الخاطئة ، بل المعيب هو الاستمرار في المكابرة و رفض النداءات المتكررة من عقلنا أو الصد عن استماع طرح الناصحين لنا الموعزة بالتصحيح .

تشكل أخطاؤنا مصدر معارف لا يمكن نسيانها إن استفدنا منها ، فهذه الخبرة المكتسبة تكشف لنا مسارا خاطئا علينا ألا نسلكه أو نتجه إليه مستقبلا ، فهناك ومضات حكمية لا نتعلمها من الكتب ، بل هي مجموعة دروس نستلهمها و تقدمها لنا محطات الحياة كتجارب علينا تفحصها .

نرتكب خطأ استراتيجيا لا تحمد عقباه بسبب إصرارنا و تعنتنا بعدم الاعتراف بما نرتكبه من مخالفات سلوكية أو حملنا لتصورات واهمة ، سواء كان ذلك على المستوى الثقافي أو العلاقات الاجتماعية و الأسرية ، و التي تحولنا إلى شخص صعب المراس لا يمكن التفاهم و الحوار معه بسهولة ، مما يجعلنا شخصا غير مرغوب في التواصل معه و الحرمان من منح ثقتهم ، فلن يقلل من قيمتك و شأنك وقوعك في خطأ لا تصر عليه بعدما تبين لك عدم صوابيته ، بل على العكس ستكبر في عين الآخر لما يراه فيك من قيمة طلب الحقيقة سواء كانت عندك أو عنده ، و يجذبه مرونتك في التفاهم و الاقتناع بما هو منطقي .

التعليقات 1
إضافة تعليق
مواضيع اخرى