قطيفية الجرح.. بقلم غالية المحروس
5/07/2017

غالية محروس المحروس 

للقطيف لترابها ونخيلها أهدي مقالي هذا!

حبيبتي القطيف,,, 

هل تقرئي ما أكتب ؟ حيث لا أكتب إلا عنك وحتى إن كتبت عن أي شيء أربطه بك لم يتبقى لي سوى حبك, هناك من يقول لي خففي في مقالاتك عن القطيف ولكن كيف؟ لا أعرف الكتابة سوى عن القطيف هذا هو تخصصي, أدرك إن الجميع قد ملٌ مني وأنا أتغزل فيك! هل أنا مجرد خطأ؟ هل أنا مجرد لا شيء, هل لا أساوي لديك أي شيء ياقطيف؟بصدق أود أن أضحك قليلا قبل الرد على هذا السؤال وقبل إجابتي أود أن أثير تساؤلا هو: أيبدو إنك تسمعيني شكرا لإصغائك يا قطيف, ولأن لهواء القطيف روح أخرى لا نفارقها, فالوجع يتطاول على الكلام فليعذر القارئ صدق إحساسي وعمقه.

ترددت في نشر مقالي لما فيه من أوجاع ربما لا تروق لبعض القراء,حيث بداية مقالي لا شك كانت متعثرة فلا يمكن تحديد ملامح واضحة للبداية والنهاية للمقال, ولا طقس معين لمجيء المقال, و حين تبلورت فكرة نصي هذا في رأسي, كنت في غرفتي بالأحساء الهادئة جدا ولم يكن هناك سوى وقع أقدامي التي تؤنسني, أحاول أن أكتب على هامش الوجع فينبت فرحا ولعلني أقول إنه فرح حزين,أحاول أن يكون نصي صاخب حار ويتدفق بسخونة دون أن تشوي أصابع القارئ, وأتساءل مع نفسي عن سر تمسكي بهذا الألم الغامض؟ ما هو مغزى إصراري على الكتابة وكأنها هاجس ملٌح أهو إثبات ذات؟ ولكن شغبي مع الوجع يؤدي إلى إنجاب نصوص تحمل ملامحي, حيث الكتابة عندي حالة وليست قرار أو مهمة بل هي تواصل مع ذاتي, حيث إرهاصات الكتابة عندي تستوجب أن ارتشف قهوتي, وأن أضع القليل من عطري المفضل وأن أكون وحيدة في المكان الذي اكتب فيه, وما زلت أتعثر بحروف اللغة البكر.

في الصباح الذي يخيط الجرح على الوجع, يا إلهي أتى الصباح وما زلت دون نوم, آه لوجع قلبي لم أذهب للنوم بعد, وهل تشبه العتمة والظلمة وهج الصباح؟ دعوني أغتسل بسواد حبري , حيث يدوي آذان الفجر هنا وهناك مما يقطع تفكيري فأقف لحظة,خاشعة مستسلمة لأداء فريضتي بين يدي الخالق,لحظة صادقة بالتسبيح والدعاء تذهلني وأنا من أخاف الله كثيرا, وبلا سبب أحيانا أذرف دمعة ساخنة فوق وجنتي, ولعل دموعي تفسد كحلي, لا عليك يا عزيزي القارئ هذه إحدى يقظات روحي الدائمة بيني وبين ربي أمارسها بصدق وأنا أحدق في السماء قد تذهلني حتى البكاء, وبنصف ابتسامة جلست أتمتم لأحرص وأنا اكتب على نظافة حبري واستقامة سطوري لإيصال طهر إحساسي, مدركة إن الوجع سر إحساسي وإحساسي الصادق هو قدري, أعذروني دائما ترفرف جناحاي بالشجن, هكذا هي حياتي عندما تتيه مني الكلمات وتتوارى وتخبئ الدموع ببوح أخرس.

في هذه الساعة من غسق الليل وأنا أترنح بين أشواقي لاحتضان القطيف المدللة, ويلفني الشوق كسيدة قطيفية غطتها العباءة فأصبحت كالليل, رغم بياض القطيف آه لو تدرك سر ذلك اللون؟ من مثلي يحالفه الوجع ليلم فجرين في غبش وآن واحد, إلى أي وعي تحتاج لتصديق وإحساس بهكذا وجع, أطمح بليل واحد ألا يستحق أن أسهره, ولعلني أصطاد في أواخر خيوط الليل وأسرق أجمل ما في النجوم جمالا.


أتساءل أين هو الصباح والقهر لن يترك لي ركن في النفس, إلا وغزاها كأنه يعلمني التمرد أو الصمت, ولا يزال في جعبتي وجع يؤرقني وعذري إنني وعدت لأغادر الوجع, وأخشى أن تستدرجني العصافير لأعشاشها فسرعان ما تعود إلى أعشاشها المزدانة بالغبطة, و أتعجب لماذا لم أرتعد ولدي كل مفاتيح الحديث, لأجيد لغة الحوار مع ذاتي وروحي ماذا دهاني؟ وتذكرت بأنني استنشقت عطرا فرنسيا, وهنا قررت أن اذبح صمتي وأنا هنا معكم وتوأمة قلبي القطيف.

كان ما بيني وبين القطيف شيئا مختلفا يشبه الاشتياق و تفوح منه رائحة الحب, هناك شيء في حضورك يأسرني ويطلقني في آن واحد, حيث خيول العشق تتسابق في فضاءات القطيف ويطفح مسكه ليعطر آفاقها, بيني وبينك يا قطيف آهة تعلو وتعلو لتأخذني إلى حضنك والتي باعدت بيني وبينك الدروب لا القلوب, ويبقى الوجع دوما بريئا بالتأكيد في مثل هذا الوله.

عندما أتنوع في الكتابة بمقال واحد هو تجريب لإنعاش ذاكرة القارئ حتى لا يشعر بالرتابة في فكرة واحدة وهنا يحضرني قول الشاعر السوري الماغوط: ما أكتبه في التاسعة أشمئز منه في العاشرة ومن أصافحه في الصباح أود قتله في المساء, فأعتذر لو جعلت فكر القارئ مشتتا نوعا ما فكأنه في نزهة فكرية .

السؤال الذي يؤرقني فعلا هو: هل سأكون في مستوى الدائرة إذا اتسعت؟ قالت لي إحداهن وهي تنفث ريح حسدها وخبثها: سمعت إنك سعيدة ومرتاحة من إقامتك وتدريسك بالأحساء , فقلت لها أنا لست أقل وفاء من أي حيوان من حيوانات القطيف أو الأحساء, إذ لا شك في إني لن أنسى القطيف إذا درست في الأحساء أو غيرها, أخبرني زوجي الحبيب إنه مرة فاجأته قطة نفاها إلى بقعة تبعد عن القطيف ثلاثين كلم بأن عادت!

كم شتاء ماطر يكفي ليطهرنا من ذنوب اقترفنا بقصد أو بدون قصد, وكم كبرياء هتك وكرامة جرحت دون أن يعي أحدنا, لكن هل سأل أحدنا كم بسمة زرعها على شفاه إنسان طفلا كان يتيما أو عجوز, هل منا يدرك إن طريق الخير مفتوح, لا يمكننا التطهر من أخطائنا أو خطايانا, لكن يمكننا على الأقل أن نوقف لهم الأنفس الأمارة بالسوء, وأن نرسم ضمائرنا على شفاهنا لتحرس كلماتنا قبل التفوه بها تحمينا من تجريح الآخر.

اعترف بأن هناك ساعة الألم ويكاد يخذلني قلبي من نفسي فأبكي, حيث تخنقني الإخفاقات والإسقاطات والتجاوزات نحن بحاجة إلى صرخة! لا عليكم لا طقوس لي في الوجع أكتب عندما تلفحني المشاعر الصادقة, وباختصار أصبحت إنسانة بامتياز دون غرور وهذا ما ينقص البعض من البشر للأسف.

يا حبيبتي القطيف,

لا أعلم هل أستطيع أن أكتم الجرح والبوح في داخلي!
لا أعلم إن كانت هناك لغة أستطيع بها التعبير عن قدسية تلك الأوجاع ولحظاتها الصادقة!
لا أعلم إن كنت سأتمكن يوما من أزيح الجرح!
لا أعلم إن كنت أقوى على التمرد!
لا أعلم ما جدوى التمرغ في غياهب المفردات لأعري مشاعري!
لا أعلم كيف تبعثر ما حولي وعلي بالتماسك شئت أم أبيت لأستمر!
لا أعلم إن كان من حقي أن أسمو في عالم من خيال!
لا أعلم إن كان عمري قرون أم إنني لم أولد بعد!

والذي أعلمه ربما من الأفضل ألا أتردد أو أتأخر في البوح عن الأحاسيس الموجعة, ولكن ما يؤرقني هو هل يحق لي أن اشعر بأكثر من الوجع وهناك أوجاع وجروح تلازمنا أبدا!
وهل يمكن أن نتأمل الفجر ونحن ربما مرغمون على التعود في العتمة!
كم هو رائع أن نمر كالعصافير الحائرة دون أن نعي بأي وجع ستأسرنا الزهور!

نتحدث عن الليل والظلام والعتمة, ولكننا بالمقابل نتوقع بزوغ الفجر فجر أي شيء,
أرهقني التناقض نعم تلك هي تناقضات حيرى, تارة أتوق إلى أحضان القطيف وتارة أكابر حاجتي لها, وبغرور الأنثى أرفض, سأكف عن البكاء والوجع, ما عاد يكفي بوحي للسماء سأبدأ من جديد بفجر وليد, ما أحوجني لهذه اللحظة اليوم؟

وكلمتي الأخيرة:
المسافات البعيدة علمتني صدق وجع الإحساس, وعشقي للقطيف بلا جسد دوما يكتبني,لنصفق ونرمي بجروحنا وأوجاعنا بعيدا في الهواء, راجية أن لا يعود زمن الصمت والجراح, لا علينا إلا عناق الحياة والربت على كتفيها وقبولها كما هي, لنرافقها بلا وجع.


التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى