بعمق...
24/05/2017
سماحة السيد فاضل علويآل درويش

النظرة الوازنة و الدقيقة لمجريات الأمور و الأحداث و الأزمات و القدرة على وضع تخطيط مدروس للأهداف المستقبلية و الإمساك بزمام الحلول عند مواجهة المشاكل و التغلب على آثارها التدميرية على الطاقة النفسية هي مخرجات و نتائج لامتلاك فكر ناضج قد اكتسب الكثير من الخبرات و التجارب و استطاع هذا الفرد المحنك أن يحول مشاهداته و مسموعاته إلى مجموعة من الحكم و القواعد التي يهتدي بها في دروب الحياة تماما كما يستدل المسافر بنجوم السماء ليلا في تحديد اتجاهاته فلا تعوزه الطرق و المخارج التي يمكنه بها المواجهة و تجاوز عنق الزجاجة .

و القرار المتأني الحسم الذي لا يشوبه تسرع أو تسويف كان عصارة فكرية و مداورة لزوايا الأمر المعين و ما يترتب عليه من عواقب فإيمانه بتحمل المسئولية و عدم المراوحة في مكانه يحتم عليه أن يتخذ خطوة صحيحة نحو الأمام فالتهرب من أي مشكلة لا يعني تلاشيها أو أخذها نحو سكة الحل بل ستتفاقم الأمور و تتعد المشكلة لدرجة يصعب بعد إهمالها معالجتها إلا بتحمل أثمان باهضة و هذا ما يدعوه لالتقاط الأنفاس و الجلوس على دكة التأمل و التفكير العميق فمهما كانت الحلول في مرها فهي أفضل من الانتظار الصعب لما ستؤول له الأمور و التي تتدحرج نحو الأسوأ .

و وجهات النظر العميقة التي يبديها و يسلط بها الضوء على زوايا أي قضية أو موضوع يطرح على بساط الحوار و المداورة بالتأكيد لم يولد فجأة بل كانت له منابت تجذر منها و من أهم هذه المصادر المهمة هي منادمة خير جليس في الزمان و هو الكتاب و الذي يحلق معه الفكر في فضاء المعرفة و المعلومات التي تكسب العقل تنمية و ازدهارا .

فإذا ما أردنا تكوين رؤية فكرية ناضجة نبصر بها دقائق الأمور و أبعادها و نختزن في عقولنا مكتبة ضخمة من الحكم و الإنارات البحثية فسنجدها قد جمعت ما بين سطور الكتب و التي تقدم زادا ثريا و ثروة ضخمة من الدرر و البصائر .

وللأسف فإن عروض وسائل الإعلام و شبكات التواصل الاجتماعي قد اختطفت العقول و صرفتها عن ينبوع المعرفة الصافي و هو الكتاب فنبذل من الوقت الشيء الكثير في متابعة و تصفح المواد عديمة الفائدة فما يعرضه الشاب على أصحابه في جلساتهم هو مقاطع مرئية و مكتوبة لأخبار و قضايا لا ترقى لمستوى الاهتمام المتزايد بها و أخذت موضعها من عقولنا و كان ذلك على حساب المعرفة المهمة .

الرقي الثقافي و المعرفي و الإطار المتمكن من المساجلة في ساحة الحوار المثمر هو نتاج تخصيص وقت للمطالعة و البحث في بطون الكتب الملائمة لمستوانا و ليس مهما مقدار ما نقرأ و نتصفح بل المهم هو التركيز الذهني و التحصيل المعرفي الذي تزوده بنا الكتب فنشعر في كل يوم بتقدم و تنور في فكرنا .


 
التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى