التشرذم و اصطناع الحواجز
27/07/2017

السيد فاضل علوي آل درويش 

من الآفات الفكرية و الاجتماعية التي تعصف بجلساتنا و تجعلها موئلا للخلافات و المشاحنات هو الشخصنة و التركيز على كل ما تنبت به شفتا الآخرين من كلمات و مواقف و قد سنت الرماح و شهرت سيوف الهجوم الكلامي للتسقيط و استصغار الغير و كل المنى هو العثور على هفوة أو موقف ملتبس فضلا عن رؤية موقف خاطيء بمعيار و موازين الأدلة و البراهين ؛ لتتحول كثير من جلساتنا إلى تشريح و تجريح الشخصيات و تتحول التداولات و النقاشات إلى تندر و سخرية فتعج مواقع التواصل الاجتماعي بألوان الاستهزاء و تقاذف الشتائم و تحطيم الآخر بكل الأبعاد .

هناك نقطة مهمة و برزخ مبين ما بين حرية الفكر و التعبير و تسجيل المواقف و ما بين الاعتداء على شخصيات الآخرين و إثارة البلبلة و نشر الخلافات و زيادة رقعة التمزق الاجتماعي و المساهمة في تحول المجتمع إلى فئات ( كانتونات ) تحصر نفسها في حلقة صغيرة مهاجمين كل من يختلف معهم و وسمهم بأقذع الألفاظ و أبذئها متناسين أن المظلة الاجتماعية بمعيارها الديني و القيمي و القانوني تفرض أسس التعاون و التفاهم و بناء جسور الثقة و المحبة .

فمن أين تسجل للمجتمع قائمة تنموية و حركة ازدهارية و هو يعيش حالة التناحر و الاحتراب و التي تؤججها و تؤسس لها تلك الاجتماعات و المنتديات و المجالس العقيمة و التي لا هم و لا غاية لجلاسها سوى الثرثرة و عرض العضلات و إبراز العنتريات و تسجيل الانتصارات الوهيمة و الزعامات الزائفة على حساب العمل الجماعي المتكاتف في سبيل النهضة الشاملة للمجتمع على جميع المستويات الثقافية و المهارية و العلمية و التي لا يمكن مشاهدة أثر ملموس لها في ظل الإصرار و التعمد لتجاهل و تسقيط الشخصيات الفاعلة الأخرى بحجج وهمية هي رد الخطأ و تحجيم الانتفاخات !!!

النقد البناء هو ما نركز فيه على الأفكار و المواقف بعيدا عن متبنيها و قائلها و المقتنع بها و نتعامل معها بكل مهنية و شفافية و معالجة فكرية سليمة نبتعد فيها عن التزمت و العواطف و العمياء و المصالح الضيقة و المناكفات التي لا طائل منها و لنضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار محافظين على العلاقات الاجتماعية بين الأفراد بعيدا عن القطيعة و الكراهية أفلا يستحق التوقف و النظر أن تصل الأمور بالبعض إلى استباحة شخصية الآخر و الحديث عنه بسوء لا لشيء سوى أنه يختلف معه في فكرة أو تباين في وجهة نظر ؛ ليشحذ له سكين الظنون السيئة و الحقد و المنبوذية ؟!

نحتاج إلى نشر ثقافة المحبة و الحوار الهاديء و النقد الإيجابي و الذي نستطلع فيه الآراء دون نبز أصحابها و نخضع لأسس الاستدلال و تجويد الأطروحات متقبلين و متفهمين تشعب المعارف و طبيعة التباين في القناعات دون أن يكون ذلك الاختلاف مدعاة للتقاطعات و التشرذمات .
 

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى