مناقشة موضوعية
14/08/2017
بسم الله الرحمن الرحيم

🔶يقول تعالى: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ)
مناقشة موضوعية لمقالة اختيار النبي سليمان (ع) للهدهد دون غيره من الطيور:

🔷أولًا: لأن الهدهد يتحمل المسافات الطويلة أكثر من الحمام وكذلك لديه القدرة على تحمل الجوع والعطش أكثر من أي طائر آخر
- هذه مجرد دعوة بلا دليل ونحن أصحاب الدليل أينما مال نميل.. بل إنّ الواقع يخالفه ويتبيّن لنا ذلك من خلال استخدام الحمام الزاجل من قِبل المجتمعات والحضارات عبر العصور والأزمنة المتعاقبة في إيصال رسائلهم لسرعته وإمكانية تطويعه وقدرته على طيّ المسافات الطويلة جدًا ولم يثبت تاريخيًا أنهم استخدموا طائر الهدهد مطلقًا ولا حتى في حالات شاذة وطارئة ولو لمرةٍ واحدة.
بالإضافة إلى أن الصقر بأنواعه أفضل من الهدهد بمراتبٍ ومراتب في التحمل والتطويع والتدريب والسرعة والرؤية والمراوغة وتحمل الجوع والحصول على الغذاء وقطع المسافات والتغلب على الصعوبات ومواجهة المشكلات.

🔶ثانيًا: ثم للهدهد القدرة على رؤية الماء من بعد ومعرفة أماكن المياه ولو كانت تحت الأرض فيرتوي منها أثناء السفر

🖍 فأما قدرة الهدهد على رؤية الماء عن بعد فهذه ليست بميزة قد تفرد بها الهدهد دون غيره من الطيور فالصقر أحذق منه نظرًا وأحدّ منه إبصارًا في رؤية الأشياء من مسافات بعيدة وأماكن شاهقة. وأما معرفة الهدهد بأماكن وجود المياه الجوفية تحت الأرض عبر ما أودعه الله من غريزة لا تعطيه هذه الميزة التي لا توجد عند غيره من الطيور القدرة على الوصول إليها والارتواء منها إذ أنّ المعرفة بوجود الشيء لا يعني إمكانية الوصول إليه فلا تلازم بين المعرفة وتحققها خارجًا. فغاية ما تُفيده معرفة الهدهد بمواقع المياه الارتوازية إمكانية استفادة الإنسان من علمه إذا استطاع إيجاد الآليات والوسائط في التخاطب مع هذا الطائر لمعرفة مواقعها لحفر الآبار والعيون واستخراج الماء منها.. وإلا فالهدهد بما هو هو ليست لديه القدرة مع معرفته بأماكن المياه الجوفية على تنقيب الصخر وحفر الرمال واستخراج الماء فكيف له أن يرتوي؟ لأن تحقق الشيء لا بد له من عاملين: وجود المقتضي وانعدام المانع والمقتضي موجودٌ ومتحقق عبر معرفة الهدهد لمواقع المياه لكن المانع ليس بمفقود.

🔷ثالثًا: الهدهد محبوب من الناس ويسمى صديق البيئة حتى الفلاحين يحبونه كثيرًا لأنه ينظف لهم الأراضي الزراعية من الحشرات والديدان بخلاف الشاهين أو العقاب أو غيرهما فالناس تحاول اصطيادهما

📝 أقول أنّه لا بدّ من ترابطٍ وتلازم ما بين المقدمة والتالي والشرط والمشروط والسبب والمسبب والعلة والمعلول والمقدمة والنتيجة. فما العلاقة بين محبوبية الهدهد عند الناس والفلاحين وكونه صديقًا للبيئة باختياره من قِبل نبي الله سليمان عليه السلام لهذه المهمة؟ فلا علاقة ها هنا بين المقدمة والنتيجة. بل إنّ هنالك من الطيور من له محبوبية فائقة في قلوب الناس تفوق محبتهم للهدهد بدرجاتٍ ودرجات كالحمام الذي يتغنى الناس به في شعرهم ونثرهم في كل مكان وزمان.
وأما قول الكاتب حفظه الله ورعاه بأنّ الشاهين أو العقاب أو غيرهما يعمد الناس لاصطيادهم فيا عجبًا ثمّ يا عجبًا أفلا يعمد الناس إلى اصطياد الهدهد ومطاردته لجماله وبهائه! وقد كنا في بواكير أعمارنا نطارد طائر الهدهد من أجل اصطياده من بستانٍ وإلى بستان ومن تلةٍ وإلى تلة.

🔶 رابعًا: والهدهد من الناحية الأمنية أفضل وخاصةً لأنه يحمل رسالة سياسية ودعوية مهمة بين ملكين وذلك لأنه يطير وحده وليس مثل باقي الطيور تطير في جماعات فيكون مدعاةً للتخفي وعدم لفت النظر .
✍🏻 وأما قوله أن الهدهد من الناحية الأمنية أفضل مستدلًا بأنه يطير وحيدًا دون بقية الطيور بقصد التخفي وعدم لفت نظر الناظرين فهل أن حمامة الزاجل حين تحمل رسالةً تطير وحيدةً أم في سربٍ من الحمام؟ وهل أن الشاهين وأضرابه حين يطير في آفاق السماء يطير لوحده أم مع مجموعة من الصقور؟ فتأمل جيدًا.

🔷 خامسًا: عنده قدرة دفاعية فيما لو قرب منه حيوان أو طائر لا توجد عند بقية الطيور وهي أنه يخرج مادة زيتية من تحت ذيله لها رائحة كريهة جدًا تطرد من يقترب منه


✍🏻 إذا كان للهدهد هذه الميزة المذكورة فلغيره من الطيور ما يفوق هذه الميزة. فالجوارح من الطيور أقوى من أغلب كواسر الأرض ووحوشها إذ أنّ البعض منها بالدليل والبرهاان الشهودي قادرةً على اختطاف الذئاب من فلوات الصحاري بمخالبها والطيران بها عاليًا إلى الأماكن المرتفعة وتركها تقسط حتى تتردى وتتكسر عظامها. وعليه فلا مقارنة بين إخراج الهدهد للمادة الزيتية من تحت ذيله وما فيها من رائحة كريهة جدًا قادرة على طرد بعض الحيوانات وبين مميزات ملوك السماء من الكواسر والجوارح.

💥 لهذه الأسباب اختار سيدنا سليمان عليه السلام الهدهد

✍🏻 يقول تعالى (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) لا يصحّ بحالٍ من الأحوال تنزيل الظن والتخمين منزلة العلم والمعرفة والقول صريحًا بأنه لهذه الأسباب اختار النبي سليمان عليه السلام الهدهد دون غيره من الطيور ولكنّ الصحيح أن يُقال لعلّه لهذه الأسباب وقع الاختيار من قِبل النبي عليه السلام للهدهد. مع أنّي أعتقد أن هذه الأسباب ما هي إلا تأملات جميلة نتيجةً لتدبّرات الكاتب -حفظه الله وسدّد خطاه- لهذه القصة قد يكون أصاب فيها وقد يكون أخطأ.. وهذا ديدن العلماء فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر.

✨ولمعرفة الأسباب الجازمة التي تمّ بسببها اختيار النبي سليمان للهدهد دون غيره من الطيور حسب فهمي القاصر لا بدّ من تفكيك النصّ القرآني لأنه يمثل الدليل القاطع والبرهان الساطع والعلم النافذ الذي لا يأتيه الباطن ولا الظنون من بين يديه ولا من خلفه.

💥 ويمكن أن نقول بأن الأسباب الموجبة لاختيار الهدهد هي كالتالي:

1⃣ إعطاؤه الفرصة الكافية للدفاع عن نفسه وتبرئة ساحته من اقتراف أي خطأ أو تقصير في تحمّل مسؤوليته الملقاة عليه في مملكة النبي سليمان عليه السلام بإقامة الدليل الساطع والبرهان القاطع على براءته وصدقه حتى لا يقام عليه الجزاء الرادع الذي توعّد به النبي سليمان عليه السلام الهدهد.
والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ).

2⃣ السرعة الفائقة للهدهد في طيّ المسافات وليس معنى هذا كونه أسرع الطيور. ولذلك حينما بادر للقيام بمهمته سرعان ما عاد لمملكة النبي سليمان عليه السلام.
والدليل على سرعته في إنجاز المهمات قول الله عز وجلّ في قوله: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ).

3⃣ قدرته الفائقة على الاستكشاف والعلم والإحاطة بتفاصيل الأشياء وهذا يتبين من خلال إحاطته العلمية والوجدانية بحضارة سبأ التي اكتشفها بأدق تفاصيلها.
يقول تعالى: (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِه) والإحاطة أوسع دائرة من العلم فالعلم نسبي والإحاطة إلمام بتفاصيل العلم وإمساك بجوامع المعرفة.
ويقول تعالى أيضًا في إحاطة الهدهد لتفاصيل حضارة سبأ: (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).

4⃣ جرأة الهدهد وشجاعته وفصاحته على كثير من الطيور.
والدليل على ذلك يتبين من خلال حواره مع النبي سليمان عليه السلام حينما قال له بكل جرأة وشجاعة وفي لحن خطابٍ لا مثيل له في القرآن الكريم في لغة التخاطب بين الخلق غير العاقل وحجج الله وأصفياؤه وأدلاؤه من النبيين والمرسلين يقول تعالى على لسان الهدهد: (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِه). انظر كيف تجرأ هذا الطائر الصغير نافشًا ريشه قائلًا للنبي الرسول الملك عليه السلام بأني قد أحطت علمًا بتفاصيل حضارة سبأ وأنت لم تحط بها علمًا.

5⃣ إعطاء الهدهد فرصةً لإثبات صحّة ما ادعاه من رؤية ما أخبر به من قصة حضارة سبأ وتفاصيلها.
يقول تعالى: (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)

6⃣ تكليف الهدهد من قِبل نبي الله سليمان عليه السلام لأنه الأولى بإكمال المهمّة التي كان قد بدأ بها من دون استئذانٍ من النبي القائد عليه السلام.
يقول تعالى: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ)

👈وهنالك أسباب أخرى لا تتسع لها سطور هذه المقالة المختصرة ونسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لاستعراضها في بحوثٍ مفصلة والله ولي التوفيق.
والحمد لله رب العالمين وصلَّ الله وبارك على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين المنتجبين وسلّم تسليمًا كثيرا.

✍🏻 ش. محمد سعيد الخميس.

 
التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى