لماذا تدير ظهرك ؟
22/01/2018

كثيرا ما نقف عند مقولة مشهورة تشير إلى ثقافة إبداء الرأي و عرض وجهة النظر مهما كانت فيها من مسافات تبتعد عن المشهور أو المتعارف ما دامت تعرض بأسلوب مهني يتوافر على البرهنة و يعتمد فيه صاحبه على مناقشة رصينة و نقد يخلو من السخرية و الانتقاص إنها مقولة : ( الاختلاف لا يفسد من الود قضية ) و لكن كل علامات العجب و الدهشة تعلونا من واقعنا الذي اتجه نحو الاحتراب الفكري و محاربة و إقصاء الآخر و نبذه لمجرد إبدائه لرأي معين فانحرفنا عن ساحة الحوار الهاديء و استعراض الفكرة المعينة و استعضنا عنها بثقافة العنف اللفظي و الاستهزاء بالآخر و الشخصنة و غدت بعض المجالس مشرحا للشخصيات و استقصاء الزلات و العيوب مما أدى إلى انحدار فكري لا نبالغ إن قلنا أنه بدرجة الخطورة فالإسفاف و الخواء إن عشعش في عقولنا أدى إلى تجميد لتنمية المدارك و تسعيرا للمشاحنات و التحزبات الفارغة و الممزقة للعلاقات الاجتماعية و هل وقود كل موجة تخض المجتمع و تعصف به إلا كلمة من هنا أو فكرة من هناك ؟!
لقد أمعن البعض في انتهاك جدارية الاحترام و ثقافة حقوق الغير دون مراعاة لأي ضوابط أو قيم تدعو لتنزيه أي مناخ ثقافي أو فكري من الإحن و اصطناع الكراهيات و تمزيق العلاقات الاجتماعية و خلق الفتن و الاصطفافات الموهومة فضاقت مساحات التواصل فضلا عن الحوارات الممتعة بسبب الأحادية الفكرية و تقزيم و تخطئة الآخرين ممن لم يتفق معه في فكرة أو رأي فعاد العمل اليوم على توسعة الشق و مساحة الخلافات و ردم كل محاولة لتقريب وجهات النظر فلا يخفى أن الأصوات الفارغة و العقول الخاوية و أصحاب النفوس المريضة لا يحيون إلا في وسط أدخنة الخلافات المتصاعدة و التي تعمي الأعين عن البحث العلمي و توسعة الحوارات و إتمامها في إطار مهني ؛ لتتجه القلوب نحو إحكام التجاهل و الكراهية .
نحتاج إلى تجديد الدعوة نحو عقلنة الكلمة و الخطاب و الموقف و تجنيبها كل عوامل التسعير و التسخين المتجه نحو إحداث تشنجات و توترات في العلاقات الاجتماعية و هذا التقارب و التعضيد لا يقوم على خنق الكلمة و تكميم الأفواه عن التعبير بما يخالج الفكر و الوجدان و لكنها دعوة صادقة لتضمين مبدأ احترام الآخر ليشمل وجهة نظره دون قمع فكري تجاهها و احترام مساحات التباين و التعامل معها بمبدأ الحوار و تداول الأفكار و نقدها إيجابيا .
المنهج التربوي و التعليمي في المدرسة و الأسرة يحتاج إلى تفعيل و هجران لدور التلقين فليكن لحرية إبداء الرأي و تفعيل جلسات الحوار كمفردة مهمة في تنمية شخصيات أبنائنا و بناتنا فمفهوم التطاول و التجاسر المنبوذ عند الأسر و الذي تطبقه على مجرد إبداء وجهة مخالفة أو غير مقبولة يسبب لهم كبتا و ضعفا في بنيتهم الثقافية و السلوكية و سيحول جهة تفكيرهم إلى الاختزال و التخفي بعدا عن تعنيف الأهل أو المعلم و الصحيح تربويا هو الاستماع لوجهات نظرهم و الإنصات لهم فذاك يكسبهم ثقة بالنفس و يمكن تسجيل أي ملاحظة أو نقد و إيصالها لهم في وسط نقاش هاديء .
 

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى