التنوير رافعة التغيير المجتمعي
25/05/2018

حسن المصطفى

التغيير في المجتمعات المحافظة عادة ما يكون عملية محفوفة بالمخاطر والمصاعب نتيجة لوجود ممانعة ثقافية جوانية صلبة وفي ذات الوقت خوف أو توجس من القادم المجهول بالنسبة للكثيرين. فالناس غالباً ما تستأنس بما اعتادت عليه حتى لو علمت في قرارة نفسها أن هذا النمطي والسائد بات عتيقاً لا ترتجى منه منفعة!.

طبيعة النفس البشرية مجبولة على حب الراحة والبقاء على شاكلة واحدة طالما أنها تحت السيطرة وتؤدي الحد الأدنى من وظائفها.

المجتمع السعودي يمر اليوم بمرحلة تبدل حقيقية وهو في هذا التحول لن يكون بدعاً بين المجتمعات. وعليه فإن حاجته ماسة للتأسيس الفكري والنفسي ليواكب عملية التغيير والإصلاح وينخرط فيها. وبعبارة أكثر دقة أن تكون هنالك أفكار تنويرية مدنية وذات تأثير حقيقي على المتلقي.

التنوير ليس فعلاً ميسوراً سيواجه بالكثير من المصاعب. وأولى تلك المعضلات شخصيات المثقفين الحاملة له أو المبشرة به وطبيعة فلسفتها ونظرتها إلى الحياة ومدى علميتها وقدرتها على الاستقلالية والتفكير الحر وصياغة خطاب مقنع وجذاب وعلمي في آن معا.

«نسمى مفكرا حرا ذاك الذي يفكر بطريقة مخالفة لما كنا ننتظره منه بسبب أصله وسطه حالته وظيفته أو بسبب الآراء السائدة في عصره» يقول نيتشه واصفاً الفرد الذي يجترح أفكاراً حرة. وهذه الصفات كما نلحظ هي على الضد من الطبيعة السكونية السائدة بين البشر العاديين. فالضوء الذي تحدثه الأفكار التنويرية سيعمل على بعثرة الظلمة وتحريك الساكن وإيقاظ الأرواح التي علتها أطنان من الغبار لسنوات طويلة خلت.

هذا المفكر الحر يجب أن يعي أن وظيفته ليست مجرد البحث العلمي الرصين بين طيات الكتب – على ما لها من أهمية بالغة - وإنما عليه إذا أراد أن يكون مساهماً في عملية التغيير أن يمارس التنوير على الساحة ومع الناس وبجهد مشترك تنهض به مؤسسات المجتمع المدني وتحميه الدولة بقوة القانون الذي يوفر فضاء عاماً للتفكير الحر والتعبير عن الآراء المختلفة والنقاشات المعمقة والسجالات الثقافية والدينية والفنية دون خوف أو قلق من التكفير أو الإكراه أو التشكيك.

مجمل هذا الحراك الذي تنهض به جهات وأفراد عدة سيقود حتماً لإحداث تغيير بين عقول الناس ويعمل على تطوير أنمطة حياتهم وطرائق تواصلهم وأساليب عملهم ونظرتهم إلى مستقبلهم. أي أن هنالك منظومة اجتماعية وقيمية قديمة ستحلُ مكانها أخرى جديدة تتناسب والعصر الحديث.

«سيذوب نظامنا الاجتماعي ببطء مثلما ذابت كل النظم السابقة بمجرد ما بدأت شموس آراء جديدة ترسل أشعتها الجديدة على الناس». هكذا يقرر نيتشه مصير التبدلات العميقة التي سوف تحدث. وهي أمر طبيعي أثبتته دورة الحضارات الإنسانية والتي لا يمكننا إذا أردنا أن نكون مجتمعاً مدنياً إلا أن نؤمن بها ونكون جزءاً منها.
 

..
التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى