التسول لا يشبه القطيف..غالية محروس المحروس
26/05/2018
بنت القطيف:

غالية محروس المحروس

عندما افطر وكعادتي بعد الإفطار بكوب القهوة أكحل ناظري بالعبق المنثور مساء في حروفي, تفاجئني كلماتي وأفكاري ! نعم تفاجئني كلماتي وأنا أكتبها, حيث رأيت مقالي هذا إنه لا يشبهني ولأول مرة لا أتفق مع نفسي عند الكتابة, ملامح الفكرة تزعجني, وأنا لست من يتردد طويلا على هكذا دور, ولكني قررت أن أتجاوز حيرتي وأتجرأ لأواصل كتابة هذا المقال, هل من القراء رأى إن تعليقه على إحدى المقالات مثلا لا يشبهه؟!

هذا المقال الذي بين أيديكم لهو قطعة من جهدي عشت معه في كل أبعاده, ورافقني بكل جرأته وقبحه وصدقه أيضا, وكتبته هنا هربا من قهري وغيرتي على قطيف العطاء, حيث لي دعوة صادقة وحلم واعد أن أقف أو أمرٌ من أمام إحدى الإشارات الضوئية, يوما دون خيال امرأة تتنقل بين السيارات, وأمام منظر حضاري تشاهده عيناي بعد عيون حبيبتي القطيف,لأترجم إحساسي المتواضع وأحمل بسمتي إلى عيون القارئ, وفي ذات الوقت إن نشر هكذا مقالات أهم من إخفائها, وليقول المتقولون ولن يضرني شيئا وسأعتبر ما يقال نقدا صحيا لفكري.

لمحت جمال القطيف بسمائها وبحرها وقمرها وشمسها, وتحسستُ إن هناك من يشوه مدينتي دون أن ألتمس العذر له فلتسامحنا القطيف, لكن هذا العمل والمشهد المزر على أرضي لا يشبه القطيف بأي حال وتحت أي مبرر, لقد داهمني عرق غزير رغم نداوة الجو لعله عرق الخجل والحرج والاستياء والارتباك, وقد تأكدت إن هذا المقال ليس لي أن أثيره وأزعج قرائي به ولكن هكذا صار.

من نافذة سيارتنا وبوجه أدق أمام إحدى الإشارات الضوئية, تقطع إحدى السيدات الإشارة واثقة إنها لا تحمل رخصة سياقه فلا مخالفة عليها حينها, نعم لمحتها وهي تجوب بين السيارات وذلك المشهد الذي لا يشبه القطيف دون شك, تفرٌستُ هكذا في تلك المرأة بجانب الإشارة الضوئية ماذا رأيت؟ إنها تملك يدين وقدمين إذا لماذا يميل ظلها في طرقات القطيف, التي حتما لا تحبها ولا تخاف على سمعتها, ولا أبالغ لو صرحت معظم تلك النساء المعنيات لسن من القطيف, ونسيت من أي محطة استدانت تلك المرأة هذا السلوك ؟ آه لقد تنفست روحي بنفس يكاد يخنق القطيف كلها, وبعد طول حيرة واضطراب قررت أن أتلف ذلك المشهد الغير حضاري من ذاكرتي, بعد أن اشبٌع قلمي بما أوحي له من رفض هذا الذي لا يشبه أحد منا ولا يشبه القطيف بتاتا.

اعذروني أفقت بعد إغفاءة قصيرة وأقنعت نفسي, إني أحلم بما أراه وأمنٌي نفسي بمشاهد قد تنسجم مع ما سأكتبه هنا, وتذكرت فجأة إني صاحبة قلم حر شريف غيور, فنهضت واضعة يدي على قلبي لأبدأ بمقالي عن المتسولين, وكم كان بودي أن يعذروا تطفلي وفضولي, لفرط ما كان يشغل تفكيري عالمهم المذل, صعب أن ترى مواطنك وهو يقف متسولا, وقد اتخذ من هذا الباب مورد رزق وقد تطور الحال إلى مهنة, عندما نفقد هويتنا ومبدأنا وقيمتنا سنفقد الكثير, والكثير لا يشعر إنه قد فقد شيئا من الكرامة, أريد أن أقول رأي وأحرر خيالي وأفسح المجال لعواطفي, بكتابة واقعا حقيقيا يليق بقراء حقيقيين ولعلني قد حققت ما أريده لمدينتي القطيف الهادئة, كهدوء الملائكة ونحن من نشم عطرها بعيدا عن بعض السلوك الرخيص, ممن يحاول تشويهها, سأقول ما عجز البعض أن يقوله, وأكون قادرة على ملامسة أحاسيس القارئ ونقله إلى مناطق أكثر صدقا.

تطرح الصحف أحيانا وفي كل مرة ما يسمى بأزمة التسول, تلك التي ولدٌت أزمات في السلوك والأخلاق, وما بين قوسين متى نقول لبعض ارفع رأسك أنت قطيفي, لنبرهن ذلك ونتحدى,
دعوني أتجرأ وألملم أوراقي وأضم قلمي لأكتب عن صور حية هنا وهناك, لندرك مدى تفاقم هذه الظاهرة و جدية ما سأكتبه هنا, سؤال ظل يؤرقني فوصمة عار أن ترى متسولة بكامل صحتها واقفة أمام السيارات, يتقطع قلبي ألما وأنا ألمح هذه المشاهد الغير كريمة, هل بإمكاني القول إن التسول ازداد بدرجة كبيرة,هل من مستمع ومسئول عاقل يسمعني للآخر, وذلك يحز في نفسي انتشار هذه الظاهرة الغير حضارية الغير أخلاقية الغير لائقة بكل المعايير, وهي إحدى الظواهر السلبية المرفوضة جملة وتفصيلا, سؤالي هل التسول حاجة أم عادة؟

لا يمر علينا يوم دون أن نرى متسولات يقفن تحت لهيب الشمس الحارقة والبرودة الشديدة, ولا يكاد يخلو بيت و شارع إلا وتجد المتسول يطوف جيئة وذهابا, يستجدي عاطفتك بمهارة لا توصف ليستدر ما في جيوبك, مشهد مزر يعم مدينتنا الحبيبة القطيف, بهؤلاء المتسولين وكأنهم يطلبون إرثا لهم, وفي ذات الوقت وما يزيد الأمر حيرة إنه لا يمر أسبوع دون قراءة أخبار عن القبض على عصابة تسول, هذه الظاهرة وانتشارها جعل الحابل يختلط بالنابل, فلا نعلم من الصادق ومن المتظاهر بالفقر والمحتالين ضيقوا على المحتاجين حقا صرنا لا نميزهم ولا نثق بهم.

إنه من دواعي الألم واحتباس النفس أن نجد رجالا ونسائا بل أطفالا, لديهم القدرة في استجداء الناس في أقصى حالات الذل وفقدان الكرامة, وقد يتسلحون بملابس رثة ومتسخة سيئ المنظر ويتقنوا عبارات مثيرة للشفقة, ومستعدون ببيع ماء وجوههم بأقل ثمن , فنعطيهم لحالة الرثة لما فيهم الصدقة من أجر, وهم فئة محترفة هناك العاجز والسليم والصغير والكبير, ويا عجبي يكتنزون الأموال دون الاستفادة منها ولكن أين يذهب المتسول بالمال, فحتما يصرفها البعض في الحرام, نحن على يقين بأن ليس كل من يتوسل هو محتاج لذلك, ومهما اختلفت أشكال التسول فهو ذل, يقول رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه "اليد العليا خير من اليد السفلى", ولا ننكر إن هناك من الفقراء والمحتاجين الذين نعرفهم ويعرفهم الكثير منا, ومع ذلك نجدهم متعففين عن سؤال الغير, الشرف والمال لا يجتمعان في جيب واحد.

ظاهرة التسول من الظواهر التي انتشرت وبشكل ملحوظ في كل مكان, ويثيرون ضجة من أجل الحصول على ما يريدون, هي آفة اجتماعية خطيرة, وبنظرة خاطفة في الطرقات والشوارع نجدهم في الأسواق وعلى أبواب المساجد والبنوك والمطاعم, وقد لا أبالغ لو قلت لدى بعض المتسولات أخبار الوفيات ليفترشن أرض الحسينيات طلبا للمال, والأدهى إنها مزروعة عند إشارات المرور وكأنها هواية في كثير من الأحيان, لقد أصبحوا فنانين ومحترفين بهذه الظاهرة التي تحط من قيمتنا أمام الآخرين, هذا من غير الذين يأتون بطرق أبواب منازلنا, يشد انتباهنا المشهد العجيب ونحن أمام تيار من الناس, تلك المشاهد تطرح في نفس مشاهديها سؤالا جوهريا: هل لهؤلاء الأشخاص العذر الحقيقي في اتخاذ هذه المهنة المهينة أم لا؟ هل القصد من ذلك الثراء السريع دون تعب؟

والمثير للدهشة مدى انتشارها دون أن تحرك الجهات المعنية ساكنا, هل المسئولون مشغولون بملفات أخرى مهمة ما هو دور وزارة العمل والشؤون الاجتماعية, لماذا لا تنتفض من أجل أن تجد لهؤلاء حلول نهائية لقمع هذه الظاهرة, ورغم ذلك وجب اتخاذ المسئولون خطوات جادة لتحجيم هذه الظاهرة وتقزيمها بل والقضاء عليها, والمفروض على كل الوزارات أن تأخذ على عاتقها للقضاء على هذه الظاهرة من خلال الحملات التثقيفية, نحن مسئولون عن انتشار التسول نعم نحن الذين نعطي المتسولين مرارا وتكرارا, لا أدري كيف نسمح لهؤلاء أن يشوهوا القطيف.
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
وآخر: قد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي


تبا لهذه الظاهرة التي تغزو الكثير على المستوى الاجتماعي, ولقد اعتدنا كل يوم على مشاهدة مناظر مؤذية, وكل يوم يقومون بتطوير أساليب التسول فقط,, لكسب العيش دون تعب دون جهد دون حياء أخجل وأنا أتلفظ بهكذا مفردات, والله ينتابني شعور بالعطف ويتفاوت مع ما أراه, ويرق له قلبي فالصغير يكون تأثيره علي أكبر من غيره والبنت أكبر من الولد, أنواع مختلفة أجدها تجوب من حولي لا أملك إلا أن أتعاطف مع إحداها, هناك نتفا جئ بأطفال صغار يضربون بأناملهم الصغيرة زجاج السيارة طلبا للمال, وهنا أقول لا شيء يجيده البعض هذه الأيام أكثر من التسول والاستجداء, والعجب لقد أصبحت ظاهرة التسول مهنة أساسية يزاولونها هكذا, وهي المهنة الوحيدة التي لا تحتاج إلى واسطة أو مؤهلات علمية, ولقد حددوا المتسولون هدفهم بدقة ومارسوا التسول بكل جرأة نهارا وجهارا.

لاحظت أغلب المتسولين هم من النساء, وعند ضبط هؤلاء حتما إحالتهم للجنة الشؤون الاجتماعية لإجراء دراسة اجتماعية, من حيث إذا كان يتقاضى مرتب ضماني, وباختصار علينا أن نتكاتف ضد ظاهرة التسول للقضاء عليها,أين القانون من كل هذا, ماذا عملت الجهات المعنية الضابطة للتسول هل ممكن أن تختفي هذه الظاهرة, هناك أسئلة تطرح نفسها ولكن نحن لا نملك العصا السحرية للتغيير, رغم إن الحكايا في هذا الباب كبيرة وكثيرة ومؤلمة, ولكن من المسئول عن إيقاف هدر صورتنا وحفظ كرامة قطيفنا, لابد من وجود دوريات راجلة للقبض على كل من تسول له نفسه للتسول.

التسول في الدول الأوربية فن له أساليب وأدوات, فالتسول وحتى التشرد عندهم بمزاج, رغم إن التسول عندهم ممنوع بالعرف لكنه مسموح في الواقع, بشرط عدم إزعاج الغير على أن يمارس التسول في خفة, دون قبح ويرد لمن يعطيه بابتسامة وشكر, لا أريد أن أطيل بهذا الشأن فهذا ليس له مكانة هنا, حيث البعض قد يعتقد إني أبالغ في الدفاع عن الغرب ولكنه واقع.

ذات مرة وعند خروجي من مطار القاهرة, لحقني طفل وهو يشدني من عباءتي وذراعي وهو يردد أجمل العبارات والدعوات البريئة, وإذا جاز لي أن أقيس عمره بتصرفه فإنه قد تجاوز العشرين, وبحساب السنين لا يتجاوز سنواته الست, ولم يكن مفر إلا إعطائه بعض النقود, وهنا أسأل من أغتصب طفولة هذا الطفل ومن المسئول؟ وهل سيواصل تصرفه حتى يكبر وماذا بعد؟ وهل ضمن مستقبله الخطير بهكذا براءة مسلوبة.

قرأت في إحدى الصحف منذ فترة, هناك سيدة خليجية فقيرة مسكينة كما يظن الكثير, وتمارس نشاطها في التسول ويعطفون الناس على حالها, بما في ذلك رجال الشرطة وإن كانوا مكلفين بمحاربة التسول, وذات يوم كان أحد رجال الشرطة يرقبها بألم وهي تجر رجليها, إلى أن انعطفت في شارع جانبي لاحظ إنها تعبث بسيارة مرسيدس فخمة, أوقفها صاحبها وتحاول أن تفتح بابها للسرقة ربما, فاندفع إليها فاضطرت المرأة ووجدت نفسها في ورطة, وعلى الفور انتصب ظهرها المحني بصلابة لتواجهه بأوراق رسمية, تؤكد إنها سيارتها تتركها في الشارع الجانبي, إلى أن تنتهي من عمل التسول فتعود إليها تبدل فيها ملابس الشغل وتنطلق إلى عمارتها كسيدة مجتمع, وطبعا هناك العديد من قصص المتسولين الأغنياء المحرومين من كل شيء رغم حصولهم على كل شيء .

أعرف إن موظف شركة ميسور الحال, اكتشف عن طريق الصدفة ذات ظهيرة والدته تمتهن التسول بأحد الشوارع, ولم يصدق الأمر للوهلة الأولى , لكن طوفانا من الشك انتابه وحوله إلى ثور هائج, لا يقوى على السير دون أن يرتطم فتتبع خطواتها برصد يشوبه الشك, حتى تأكد فانغرزت الصدمة عميقا في قلبه.

إنني حين أضع مفردة التسول عنوانا لهذا التساؤل, فإن المعنيين في ذلك هم أصحاب الحلول الإيجابية, وإذا أجيز لنا أن نجيب عن ذلك سأقول: إنني لا ارمي أحدا بحجر ولا ألقي المسؤولية جزافا على عواتق أولئك أو هؤلاء, ولكن التسول القائم على أرض القطيف يتكلم بصوت عالي هو حجتنا لمن يرغب الحجج, أين أجد قارئا متحفزا لهذا المقال والسؤال يجر إلى آخر من يكتب عن التسول عملا أدبيا تقليديا فيه نقصان أو زيادة عن ما كتبته؟ وليكن الرد إنني على يقين سينجلي الغبار عن صوتي الجريء, وإلا سأكون مجحفة بحق غيرتي على حبيبتي الغالية القطيف.

باختصار شديد تتحول القطيف في عصر موسوم بكل الصفات, إلى جامعة عربية للتسول يفدوها من عدة مناطق, لممارسة التسول لتشويه مدينتنا والتي أصبحت إلى الحد الأبعد وكأنها شبه مقاولة علنا في الشوارع, ليذهبوا لمناطقهم ويعبثوا هناك كما يشاءون, ما زال ملف هذه الظاهرة مفتوحا للسؤال, قد نختلف وقد نتفق وإن اختلفت معك لكني لا ألغيك , هذه المرة لم أتذوق مقالي ولعلني حتى بعد ورود تعليقات البعض, لوجود ثمة قلق باستمرار التسول دون أن تهاب الريح, ولكن متى سنقول للتسول وداعا, سأقرأ مقالي هذا بعيون القراء لعلني أستشف صدق إحساسي. .







 
التعليقات 2
إضافة تعليق
مواضيع اخرى