دمى متعجرفة.....طَيف عبدالواحد
28/05/2020

أشعر أن وجودي بينهم من دون جدوى .. أنا لا أشبههم حتى .. متى سيغمر قلبي شعور الإنتماء؟ ضياع أزلي ووحدة سرمدية وكآبة بلا حد ولا قيد .. أتمنى التلاشي إلى قطع صغيرة والتناثر في فوهة بركان .. بعدها أتطاير بحرية وأقفز من تلك الفوهة فأرنو قوس مطر ملون

ومن شظايا تلك القطع الصغيرة
يتشكل الطَّيف البهي الزاهي والمبهج
كشفق قطبي تاه الطريق
وكلوحة فنية كانت ملفتة للأنظار إلى أن أُغلِقَت الأضواء الساطعة الموجهة نحوها
هكذا وفي العتمة أستبق الأحداث
تارة أكون مصدر دفء وحب وسلام
وتارة أغدو زمهريرًا ومقتًا وجريحةً بالظلام
أين سترسو سفينتي؟
وعلى أي مرفأ سيصب ألمي؟
فنار .. والليل قفار
موج هائج .. وصراخ صغار
رياح عاتية .. إندلاع النار
إنفجار كوني .. ضياء شرار

وقفة تأمل في الإنتماء الذي عنه أبحث
وقفة إنكسار .. لما أنا عليه من دمار
وقفة إعتذار من نفسي القديمة
من كتاباتي القديمة
من لحظاتي القديمة
من مآساتي القديمة
ها أنا ذا من جديد
بعد كل البؤس والإنجراف الذي أدمى جسدي
أبلى روحي وأعمى بصيرتي
بعد بزوغ الفجر وإنقضاء العصر
بعدما أصبحنا وأصبح الملك بيده
وقفت متأملة مرارًا
كي أغير ما أنا عليه من حال
كي لا أكون فتاة أقوال بلا أفعال
كي أصير نجمة تنير سماء حالكة لصديق
وفانوسًا بنير كل شيء عتيق
كي أكون النقطة البيضاء في اللوحة المسودَّة
كي أكون الكتف الذي عليه تتكئ وتستند
والذراعين اللتين إليهما تعدو وتحتضن
كي أكون أيضًا الموت لحظة احتضارك
والحياة لحظة مولدك
الرفاة في قبرك
والحزن في قصائدك
كي أغدو اليمام المحلق مع سرب طيور مشتت المسار
والحرائق المشتعلة والحصار
الذي يخوض داخلك ويروض نفسك
بهوِّن عليك ويخفي عنك ضعفه

أجل يا صديقي
فأنا لا أنتمي لزمرة الأقوياء
ولا حتى سأفكر بإدراج إسمي بين زمرة المستضعفين
أنا قلب لا يلين
يرفض الإنتماء لأي دين
يرفض المعتقدات والمسميات
يرفض التزييف والتزيين
ويرضى بما هو عليه من حقيقة صادقة
تاريخ راسخ وعيون متلألئة ببريق تركوازي مزدوج
وملامح مبهمة لكن من الجلي عليها الأسى والضجر

وإذ بي وبكِ في خلوة
وبعد قتلنا للخلود خلدنا ذكرى الموت إلى ذكرى مولد جديد للأمل
وبعد تخلي الأصدقاء المزيفين عني وعنكِ
أدركنا أخيرًا أنهم دمى
وأيضًا نحن دمى
وكل البشر دمى

دمى متعجرفة.. 


وفي ذات الفوهة التي لفظتني طيفًا ملوَّنًا
اليوم رمتني من قعرها طَيفًا باهتًا
كسرتني إلى قطع لا يمكن لها التشكل من جديد
وحُجَر قلبي الأربعة تنزف كما ينزف الوريد
حجرة بعد حجرة
وتلمحني أحتضر بين فينة وأخرى
وقلوبهم لا تأسى علي ولا ترحمني
بل تكبح جماحي وتخرس فمي وتلجمني
كما الدمى

كنتِ الدمية الوحيدة التي وجدتها حقيقية
أقرب لأن تكون صديقة
أقرب لأن تغدو رفيقة
أقرب للأخت التي وُلِدت من رحم أم أخرى
وأقرب لحجري الأربعة التي تخفق لكِ في قلبي أكثر مما تخفق لضخ الأكسجين فيه

آنسة (A)
كتبت هذه الكلمات على عجل
ولا عجب أن تجدي تعبيري ركيكًا
وتريني أتلعثم وأنا ألقيها على مسامعكِ حلوتي
لربما كنت أتأمل لقاء صديق حقيقي يشبهكِ أكثر .. لا كما الدمى المتعجرفة
أردت من ربي أن يجبر خاطري بكِ
وأن يجبر خاطركِ بي

ولا مجال لتفنيد حقيقة أننا دمى في النهاية
فالمتحكم الوحيد بنا هي سلطة التزييف
ونحن ندق الطبول وننتظر الأقنعة كي تسقط من الوجوه المخفية
ذات الوجوه التي تبتسم أمامنا وعيونها ملأى بالشرر
ذات الأجساد التي تحتضننا وهي تطعن السكين في منتصف ظهورنا
وذات التراهات عن الصداقة المقدسة المخلدة وحوارات لا تنتهي عن الصديق الحقيقي

لكن وحين تمرين يا آنستي (A) بالصعاب
ثقي أن لا أحد فيهم سيبقى إلى جانبكِ إلا الصادقون منهم
يقول صديقنا مزدوج: احبي أصدقاءكِ ولا تثقي بهم
ولربما حكمته ترن في عقلي دومًا حين ألتقي بصديق جديد
وحين وجدتكِ آمنت بأن الدمية التي أراها أمامي هي حتمًا صديقة حقيقية
وأتمنى أن يأتي يوم ما تُزال فيه كل الدمى المتعجرفة المتناثرة من حولنا
كما يزيل عامل النظافة القمامة عن طريق المشاة
وكي تصبح ساحتنا أنظف الساحات

لن أجزم أنني قد أُشفى اليوم من كل الجراح
ولكنني على يقين جازم أن جراحي لا تؤلمني حين تكونين بجانبي
فشكرًا لكِ لكونكِ ضمادة لنزيفي
وشكرًا لكل حرف بسيط تنطقه شفتاكِ بدفء
ولكل شعور حُلوٍ غمرتني به
ولكل هذا العطاء والسخاء والحب

آنستي أنا أحبك..
ولنبقَ أصدقاء ما دمنا لا ننتمي للدمى المتعجرفة
صداقة عميقة سرمدية ما دام المطر وما دام الفضاء وما دامت الأكوان.

التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى