المال بين الترف و القرف.. بقلم غالية المحروس
26/05/2017
غالية محروس المحروس

ارفع يدي لأحي جميع القراء هامسة: صباح القطيف والقهوة ولنحتسي معا فنجان قهوة, تمنيت على الصباح الباكر أن ألبس ثوبه وأسٌرح بضوئه أهدابي, كان الصباح وأنا في عناق لصباح آخر من التمني, لا يستفزكم عنوان هذا المقال ولا تتسرعوا بالمعارضة والنقد أو حتى السؤال,سأبوح هنا بما يعتلج في صدري على لسان الحمامة البيضاء وقد اعزف على وتر مقطوع, وأعتقد إن من المبكر جدا على الأقل التفكير بالجواب, اكتب مقالي هذا والخجل ينزف لمواجهتي إياك أيها القارئ و بخجل أصٌرح دون مبالغة, ما أكتبه الآن هذا ما رأيته ولمسته وعايشته, فقط أعبر عن هموم الذات وهموم الإنسان والوطن.

أحاول أن آتي بجديد لكم يزحزح الرتابة, وما أحوجنا للتجديد حتى في نوعية الكتابة, وعذرا مسبقا لمن سوف يزعل مني فقلمي صادق لا يعرف المجاملة, حيث النص الذي بين أيديكم هو جزء من الواقع اليومي,قد أضع يدي على الجرح وأنا أناقشه, ولكن لنرتشف القهوة من قاع مقالي الحساس وأنا سعيدة به وحالمة.

تاهت بي الدنيا فلم أجد صديقا إلا قلمي الذي ينبض بأفكاري فهل تقبلون به, لي سؤال بديهي هل هناك من يحلم بالمال والثراء, أعدكم أيها القراء لن أفلسف مقالي فالجواب بصدق موجود,وليس خيالا ولكنه واقع وحقيقة, إن الحكم المسبق على الأمور قد يؤدي بنا إلى إضاعة الكثير وهذا ما يحدث معي هنا,و هناك قناعات حول المال تجعلنا في مد وجزر عند تعاملنا مع المال, ولقد قررت ومنذ زمن أن أكون بلا مال أو ثراء قد يشغلني عن نفسي وروحي حيث لا أرغب أن تكون روحي مؤجلة.

أود أن أنوه إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية, وتأكد تماما أنا لا أتحدث برمزية, وما أعذب أن نتطهر بالصدق ولا زلت بحاجة لمن يصٌدق حديثي,وقد أخطأ في صياغة مقالي هذا ولكني أعدك سأروض قلبي كي يهدأ من الخفقان, حتى أتمكن من مخاطبتك بهذا الشأن بابتسامة, وسأترقب ردك وعلى كتفي رغبة على هيئة طير ينسيني الحرج من هكذا مقال حساس للبعض.

سأبدأ الإرتواء لحظة الكتابة بسمعي ونظري وأعماقي, هناك أسئلة تتزاحم في رأسي فلا أجد لها جوابا لعلني مزحومة برؤى صادقة لمساعدة غيري, لا أريد أن أطيل لئلا يحسب ما أقوله من باب التملق, وقلبي لا يصادق العتمة, وما أسهل أن أخاطبك بلغة الجمال وبعيدة عن المال واسرق منك كل قلق وشك وتردد.

هناك مقولة تقال وتتردد قل كم تملك من المال أقل لك من أنت, قد يفصح الجواب عليها علامات ودلائل تنبئ عن معرفة من هم أصحاب المال, فإذا كان المال يضع أشياء كثيرة على أطراف الأصابع فإنه أيضا هو الذي يجعل أشياء أكثر تلتف حول أعناقنا, من منا لم يقرأ الآية القرآنية الكريمة في سورة الفجر بسم الله الرحمن الرحيم" وتحبون المال حبا جما" صدق الله العظيم.

سأل مذيع إحدى القنوات الأجنبية ملياردير لا يحضرني اسمه ولا يعنيني بشيء, عن ثروته فرد عليه إنها مجرد أرقام في البنوك ولكنه يشعر بالسعادة عندما يصنع المليون, لا أدري كيف أهضم جوابه المزدوج الملتوي! وهنا لو سألنا أنفسنا من هو الغني فحتما هو الله سبحانه وتعالى أما الفقير المقصود منه الإنسان وإن كانت ثروته تطال السماء, ولنعرف الفقراء إنها طبقة لا أرى لا أسمع لا أتكلم بل لا أشبع وأتألم, وهي واقع وحياة ووجود, أنت وأنا والكثير من الناس إن لم يكن أكثر.

البعض يقضي معظم سنين عمره في جمع المال بحثا عن الثراء, عله يكون سعيدا في شبابه وشيخوخته, ويذهب شبابه في لحظات سعيدة وتهاجمه الشيخوخة دون الحصول على حاجته من السعادة من خلال ماله, وهنا حقيقة واحدة غير قابلة للاستيعاب ألا وهي إن المال ليس كل شيء, لا أنكر إن وجود المال يشعر المرء بالأمان بالحرية بالقوة, ولا أحد يرفض المال أو يكرهه ولكن ما أرفضه في المال أن يعتبره الناس كل شيء في الوجود, ولكنه لا يمثل الكمال في حياتنا, فالمسألة نسبية بقدر احتياجك تزداد حاجتك, وهل يعتبر المرء أمام نفسه وغيره من المتملقين والمنافقين وأصحاب المصالح الشخصية؟

إن استقراء تتبعنا لاستعمال كلمة المال مقابل المال يرفض المرء الفقر والذل, وقد أصاب الناس في هذا الزمن ببلوى حب المال, فمسألة المال هي نزعة متطرفة ترفع من شأنه ونفسه وتسقط مالكه في بئر من الهموم, فمن غير المنطق أن يصبح المال هدفا وغاية أساسية لكل سلوكياتنا, وليس ضروريا أن يكون حلا بل قد يكون مشكلة, حيث إن ثمن التمتع بالثروة ليس أفضل كثيرا من العيش فقيرا,قد يتمتم أحدنا قائلا إن المال متعة من متع الحياة, إلا إن الإنسان يجب أن يعرف تماما كيفية التعامل معه وكيف يجمعه وكيف يصرفه, وإلى أي مدى يكون مستعدا للتضحية من أجله.

لقد أصبح المال ظاهرة اقتصادية ونفسية واجتماعية, فالجري خلفه لا يجني منها المرء إلا الحسرة والندم وضياع الوقت والصحة , حيث يتعرض لها صاحبه الذي يجعل ثروته جزء من هويته, وتتمكن منه مشاعر الخوف والقلق من فقدان ثروته, إلى جانب إن تفكير الثري بطريقة مختلفة عن الطبقات الأخرى, فلماذا لا نتحكم في مالنا وبنفس الوقت لا ننسى نصيبنا في الدنيا, وبلا شك إنها إحدى المتع الحلال والمباحة عند الله سبحانه وتعالى.

قد يقول أحدنا بالمال نستطيع شراء كل شيء, أنا معك وبشدة لنفرض لديك أرق طويل فهل تشتري لحظة نوم واحدة بمالك! وإن اشتريت أجود أنواع وسائد النوم وأسٌرتها, وماذا عن الطعام بمالك تشتري ما لذ وطاب, ولكن عند شعورك بفقدان الشهية هل تشتري شهيتك للأكل بمالك؟ لا علينا من ذلك وإذا مرضت هل تتمكن من شراء صحتك بل تتمكن من شراء الدواء مهما غلا ثمنه دون ضمان استرداد الصحة, فالمال وسيلة فإن أصبح غاية طغى على جوانب الحياة كافة, تماما كالملح عند إضافته للطعام فطغيانه على التوابل يفسد الأكلة, ويصبح طعمها غير مستساغ.

إن حب المال من الأشياء الذميمة ويشغل المرء عن العبادة وحقوق العباد الواجبة علينا كالتواصل والتراحم , اعذروني لا أريد أن يقتل المال الجانب الإنساني فيٌ ويشوه قناعاتي, أمور وسلوك ومبدأ إنساني نمارسه دون أن نستخدم فيه المال, أتمكن من زيارة قبور أمي وأخي وأهلي ومعارفي وأقرا الفاتحة على أرواحهم حيث يرقدون, دون مال وهذا منتهى الكمال.

عندما يسيطر المال على عقلية الإنسان وفكره يصبح ذليلا وأسيرا له, ويكيل كل شيء بميزان المال ولا يقيم أي وزن للمشاعر والأحاسيس والعلاقات مع الآخرين، ويصبح بخيلا وقاسيا فإذا زال هذا المال تحولت حياته إلى جحيم ونار, وقد ينتابه الهواجس والأمراض النفسية, وأصبح في نظر نفسه إنسانا بلا قيمة، لان قيمته في الأساس من قيمة المال وهكذا وضع نفسه في الإطار المادي البحت والعياذ بالله لعن الله عبد الدرهم ولعن الله عبد الدينار.

الواقع أننا نلاحظ عندما نرى مالكي المال يظلون يتشدقون في عبارات مختلفة بأنهم غير سعداء ولا أصحاء, مثلما كان من قبل وأن الدنيا ضيقة عليهم ولم يشعروا بلذة الحياة والمتعة, ولم تعد حياتهم ميسرة وسهلة بل يعانوا من الأرق والنوم يجفى من أعينهم, وتتسارع ضربات قلوبهم ويهابوا من يتقرب لهم, ما هو السبب الغريب في ذلك, هل يمكننا القول لقد أصيب الغني بعين حسودة أم ماذا وهل وجود المال يجعل الغير أن يحسد مالكه؟

لقد أصبحت هموم الأغنياء والأثرياء تمثل واقعا لا يحتمل الجدل, وأصبح أمرا مألوفا أن نجد قطاعا عريضا منهم ميسوري الحال, ويمتلكون القصور و يعانون من اضطرابات في الدورة الدموية وضيق في الشرايين, وتهاجمهم أيضا أمراض السكر والضغط وما إلى ذلك، بينما في الأساس يجب أن تكون تلك الأمراض بعيدة عنهم, طالما لديهم القدرة المالية التي تحقق طموحاتهم وتطلعاتهم وتشبع نزواتهم ورغباتهم , وإلا ما فائدة المال هنا وهل يعادل المال الصحة ؟

قرأت هذه القصة الإنجليزية المترجمة في العديد من المواقع, وحتما الكثير قد قرؤوها, خرجت امرأة من منزلها فرأت ثلاثة شيوخ لهم لحي بيضاء طويلة وكانوا جالسين في فناء منزلها , لم تعرفهم وقالت لهم لا اعتقد أعرفكم ولكن لابد إنكم جوعى! أرجوكم تفضلوا بالدخول لتأكلوا ولكنهم رفضوا لعدم وجود زوجها وبعد عودته عرف بالأمر وطلب من زوجته أن يدخلوا البيت ولكن قالوا الشيوخ الثلاثة لن ندخل البيت مجتمعين وسألتهم عن السبب فأوضح لها أحدهم قائلا: أنا أسمي الثروة وهذا أسمه النجاح وذاك أسمه المحبة,فطلبوا منها أن تسأل زوجها من تريدان أن يدخل المنزل! وبين مد وجزر اقترحت زوجة الابن بدخول المحبة ليعم المنزل المحبة, فدعت الزوجة المحبة فنهضوا الثلاثة متجهين لدخول المنزل معللين أينما توجد المحبة يوجد الثراء والنجاح ولن أزيد!

أدرك تماما إن كنوز الدنيا ترتبط بالمال كمعيار لها دون قانون دون إلزام أو إكراه, فأنا لا يمكن أن أجبرك أن تتنازل عن مالك بأي شكل! حيث تجربتي مع عدم جني للمال جعلتني أتيقن عن ثمة أفاع في المجتمع, وأنا أتحدث من خلال تجربتي الشخصية أقول ذلك بحذر وخجل وأنا امرر تلك الكلمة, أعتذر هذا هو رأي الخاص بي وفي شخصيتي مؤمنة بما أقوله حتى الموت, وأكيد الجميع يدرك إن المرء من يصنع المال وليس المال من يصنع المرء.

سوف أقص عليكم قصة فتاة سعودية ترك لها والدها المتوفى مالا, يكون خياليا وكبيرا لدرجة تكفي لإسعاد مئات البشر, ولم تكن سعيدة بثروتها التي تقدر ثلاثة وتسعون مليون ريال, بل هناك أطماع من حولها من أسرتها وأعمامها حيث رفضوا إعطائها حقها, والأدهى حرمانها من الزواج خوفا على تلك الثروة أن تتمتع بها مع أولادها لو تزوجت, هذه القصة موجودة في إحدى أعداد مجلة سيدتي القديمة بالتفصيل, والآن هل المال مصدر سعادة بل هناك من أسمى من ذلك القناعة والرضا.

لا يفوتني أن اذكر لكم بأن إحدى هواياتي ومنذ سنين طويلة, جمع العملات القديمة جدا من بلاد عربية وأجنبية دون غاية الربح واحتفظ بالكثير جدا, وأيضا لدي الألوف من أوسمة الشكر والحب والتقدير من طالباتي العزيزات وجهات رسمية عديدة قدمت دوراتي عندها, فاحتفاظي بذكرى العملات القديمة ذات القيمة الثمينة من ورق ومعدن,لا يعادلها الاحتفاظ بذكرى تلك الأوسمة والدروع وشهادات الشكر في ذاكرتي وقلبي, عندما ألمح بعضها يجعل يومي سعادة لا توصف.

ومع القصص والحكايات هنا لا زلت غير ناكرة, بأن المال يحقق قدرا ما من السعادة الجزئية الوقتية والقابلة للزوال والدوام لله, البعض يحاول أن يختزل العادة في الحصول على المال وكأنه اليد العليا في ضبط الشخص وتكوينه, كم تكون الحياة قاسية وصعبة حين تضعنا في المفاضلة والاختيار, وحتما لابد من اتخاذ القرار.

نجري ونجري وراء المال ونحلم بالثراء, وتظل حياتنا ملكا لتلك اللحظة قد تأتي وقد لا تأتي, وقد نرحل دون أن نجني شيئا من هذا الجري ودون أن نتمتع بما لهثنا وراءه, ندرك تماما إنه لا يمكن للمرء أن يحتفظ في يديه بأكثر من أثنين من الثلاث: الصحة والمال وراحة البال, وأنت وقناعاتك ماذا تختار! وكأننا نقول إن المال هو سر الحياة بدلا من إن الماء كان سر الحياة.

ارجوا أن أكون قد وفقت في اختيار عتبة النص, وإن كانت الفكرة حساسة وغير مقبولة عند البعض, أحاول الاستنجاد بفنجان قهوة حيث شعرت إن الحديث يغطي أنفاسي فأشهق وأشهق ثم أستكين, لأفسح المجال للقارئ لحديثي عن المال الذي أرهقه,ولعله يرفض هذا التصريح كعنوان لشخصه, ولا عجب أن تكون هناك فئة من عشاق المال ومغروس حب المال فيهم وعزائي لهم كبير.

هذه نصيحتي على غير العادة, دعونا من الثراء ولنعيش لحظة من القناعة والرضا والزهد, ولتكن سعيدا وراضيا عن ذاتك, لنتنزه عن حب المال ونقتنع بما لدينا, فالمال خادم جيد ولكنه سيد فاسد, فإن كنت ترى السعادة في المال فأنا أبيح لك أن تحطم الدنيا لتنال سعادتك الشخصية بحفنة من المال.

يا إلهي كيف تغيرت المفاهيم وماذا جنينا من ذلك!! عجبي ولن أزيد.





 
التعليقات 0
إضافة تعليق
مواضيع اخرى